وله من ذم الدنيا بما يعاملها أهلوها قوله عليه السلام : «أما بعد فإنّي أحذركم الدنيا فانها حلوة خضرة ، حفت بالشهوات ، وتحببت بالعاجلة ، وراقت بالقليل ، وتحلت بالآمال ، وتزينت بالغرور ، لا تدوم حبرتها ، ولا تؤتمن فجعتها ، غرّارة ضرّارة ، حائلة زائلة ، نافذة بائدة ، أكالة غوّالة ، لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها أن تكون كما قال الله تعالى سبحانه : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) لم يكن امرء منها في حبرة إلّا أعقبته بعدها عبرة ، ولم يلق في سرائها بطنا إلّا منحته من ضراءها ظهرا ، ولم تطلّه فيها ديمة رخاء إلّا هتنت عليه مزنة بلاء ، وحريّ إذا أصبحت له متنصرة ان تمسي له متنكرة ، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى ، لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا إلّا أرهفته من نوائبها تعبا ، ولا يمسي منها في جناح أمن إلّا أصبح على قوادم خوف ، غرّارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، لا خير في شيء من أزوادها إلّا التقوى ، من أقل منها استكثر مما يؤمنه ، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه وزال عما قليل عنه ، كم من واثق بها قد فجعته ، وذي طمأنينة إليها قد صرعته ، وذي أبّهة قد جعلته حقيرا ، وذي نخوة قد ردته ذليلا ، سلطانها دول ، وعيشتها رنق ، وعذبها أجاج ، وحلوها صبر ، وغذائها سهام ، وأسبابها رمام ، حيّها بعرض موت ، وصحيحها بعرض سقم ، ملكها مسلوب ، وعزيزها مغلوب ، وموقورها منكوب ، وجارها محروب» (الخطبة ١٠٩ / ٢١٤).
و «أيها الناس إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتصل فيه المنايا ، مع كل جرعة شرق ، وفي كل أكلة غصص ، لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى ، ولا يعمر معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله ، ولا تجدد وله زيادة في أكله إلا بنفاد ما قبلها من رزقه ، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر ، ولا يتجدد له جديد إلا بعد أن يخلق له جديد ، ولا تقوم له