فمهما بلغت التكذيبات والأذيات في هذه الطريق الشائكة الطويلة مداها ، فالحجة البالغة لآيات الله دوما ، والنصر الموعود لغلبها على من يريد أن يتغلبها ، هذان العمادان يوطدان من اعمد الدعوة الرسالية ما لا قبل لها ، فيا رسول الهدى ، الحامل للرسالة العليا (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (٤٦ : ٣٥) اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) ما ينبئك بحالهم ، وحلهم في دعوتهم وترحالهم.
أجل ، وان موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم ، ضارب في شعاب الزمن ، ماض في الطريق اللّاحب ، مستقيم على الخط الواصب ، يعترض طريقه المجرمون من كل صنوفهم ، في متراصة صفوفهم ، برصاصة لهم متواترة ، وهناك تسيل الدماء وتمزق الأشلاء ، ولكن الموكب ماض في طريقه دونما انحناء ولا انتكاص وانثناء ، ومهما يكن من أمر إمر في البداية فإن نصر الله في نهايات المطاف يترقبهم.
ومن غريب الوفق بين الشدة والصبر ـ مكافحة في كلّ شدة بالصبر ـ أن عديد كلّ في القرآن (١٠٢) مما يلح بواجب المكافحة في كل شدة بصبر يناسبها.
(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٣٥) :
لقد كبر على الرسول (ص) إعراضهم لحد كأنه يتطلب من الله