(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦٠) :
«جاء بالحسنة وبالسيئة» دون «أتى أو عمل» تعبير قاصد إلى خاصة معناه ، فقد يأتي بحسنة ثم تحبط ، أو يأتي بسيئة ثم تغفر أو تكفّر ، فقد يعني «جاء بالحسنة أو السيئة» جاء ربه في حياة الحساب وبدايتها الحياة البرزخية ، جاء ومعه حسنة أو سيئة ، وهما وصفان لمحذوف معروف بقرينة المقام وهو «العقيدة والعملية» فإنهما الباقيتان مع الإنسان حتى الموت ، وأما النية فلا تبقى حتى يجاء بها ، اللهم إلّا النية الحسنة حيث تبقى بفضل الله ، وأما النية السيئة فلا جزاء لها إلّا مثلها (١) وهو نية السيئة دون واقعها ، وهذه قضية المماثلة بين النية وجزاءها عدلا : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) (١٠ : ٢٧) والنية السنية ليست مما يكسب إلّا بعقيدة سيئة أو عملية سيئة وليست النية مكسوبة ، وإنما هي كاسبة لعقيدة أو عملية ، ثم لا مماثلة بين سيئة الجزاء ونية السيئة ، وهنا (هُمْ لا يُظْلَمُونَ) تطارد واقع الجزاء بنية السيئة ، كما تطارد عدم الجزاء أو عدم المماثلة بين الحسنة وجزاءها ، و (عَشْرُ أَمْثالِها) فضل فوق العدل ، وآيات عدة مثل (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٧ : ٣٩) تحصر سبب الجزاء بالعمل ، وليست النية عملا إنما هي نية العمل ، كما العمل ليس نية إنما هو
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٦٤ ـ اخرج جماعة عن ابن عباس عن النبي (ص) فيما يروى عن ربه «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له عشر الى سبعمائة الى اضعاف كثيرة ومن هم بسيئة ... ، وفيه عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : قال الله تعالى : إذا همّ عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وإذا عملها فاكتبوها بعشر أمثالها وإذا همّ بسيئة فلا تكتبوها فان عملها فاكتبوها بمثلها فان تركها فاكتبوها له حسنة ثم قرء الآية ، أقول : وقد تواتر عن النبي (ص) ان نية السيئة وهمها ليس لها جزاء.