(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(١٥١).
«اغفر لي» ما عجلت عن قومي وما صاحبتهم إلى الميعاد فحصل ما حصل ، و «أغفر لي» ما فعلت بأخي حيث لم يستحق ذلك التأنيب الشديد ، واغفر «لأخي» إذ لم يستطع أن يخلفني كما يجب قصورا ولا تقصيرا إذ قدم ما قدم بطوعه وقوته على ضعفه : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (٢٠ : ٩٠ ـ ٩١) مما يلمح إلى مدى عذره بدوره خليفة الرسول بغيابه ، (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) الخاصة بعد ما خرجنا منها فترة الابتلاء (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
فقد نرى أن هارون لم يقصّر في خلافته ، اللهم إلا قصورا باستضعافه وخوف قتله ، إلا أن واقع الحال يتطلب تلك الظاهرة الغضبانة الأسفة من موسى (عليه السّلام) بهارون ، ورغم أنهم استضعفوه وعظهم وندد بهم : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ..) حتى كادوا ليقتلوه ، وقتل الداعية قد يسمح له في سبيل الدعوة إن أثر في تحقيقها أم في مزيد الحجة وإنارة المحجة ، ولكن بني إسرائيل المعروفين بقتل النبيين لم يكونوا ليتأثروا بقتل هارون إلّا حظوة لهم في خطوتهم الخاطئة هذه ، إزالة لمن يصدهم عنها ، وتقليلا لساعد الداعية ومساعده ، فتعريض هارون نفسه للقتل ـ إذا ـ لم يكن إلّا تعريضا للرسالة التوراتية إلى الخمول بفقد وزيرها الحزير الحريز العزيز ودونما فائدة وعائدة إلا لعمق الضلال وحمقه لهؤلاء الأنكاد الأوغاد.
ترى ولماذا لم يلق الألواح في الطور إذ قال له ربه (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) ولم يغضب غضبه إلا هناك بعد ما رجع إلى قومه؟ لأنه لم يقع هناك موقع العيان وللرؤية فضل على الخبر (١) ثم وإلقاءه الألواح وأخذه برأس أخيه هما ظاهرتان دعائيتان أمام القوم فلم يكن لهما موقع في الطور
__________________
(١) المصدر عن المجمع روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : .. وفي الدر المنثور ٣ : ١٢٧ عن ابن عباس قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرحم الله ـ