(فَلَمَّا نَسُوا) الذين عدوا في السبت (ما ذُكِّرُوا بِهِ) من عظة الواعظين ، كما (فَلَمَّا نَسُوا) التاركون للنهي عن السوء ، الناهين عن ذلك النهي وسواهم (ما ذُكِّرُوا بِهِ) من (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ـ (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) سواء الأولين ، أم التاركين للنهي المتعظين بالعظة فأصبحوا معهم من الناهين (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم كلا العادين في السبت ، والتاركين للنهي عنه نسيانا معمدا لتلك العظة (بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
فيا لذكرى الرب من حامية حائطة على الإنسان النسيان ، ولو أننا ذكرنا وعلمنا واقع حالاتنا المزرية المخجلة لما رفعنا رؤوسنا اختجالا ، وكما يقول إمام الذاكرين للغافلين : «ولو تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه إذا لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم ، وتلتدمون على أنفسكم ، ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها ، ولهمت كل امرئ منهم نفسه لا يلتفت إلى غيرها ، ولكنكم نسيتم ما ذكرتم ، وأمنتم ما حذرتم ، فتاه عنكم رأيكم ، وتشتت عليكم أمركم ..» (من الخطبة ١١٥).
ولأن العذاب البئيس دركات حسب دركات السوء والفسق ، فقد اختص العاتون عما نهوا عنه بأتعسه :
(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(١٦٦).
فقد نجت فرقه وهي الناهية عن السوء أولا أو أخيرا ، ثم الذين ظلموا عاتين أم تاركين لنهيهم عن السوء أخذهم عذاب بئيس ، وقد أجمل عن عذاب الآخرين تصريحا بعذاب الأولين أن : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
أجل فقد «افترق القوم ثلاث فرق : فرقة نهت واعتزلت ، وفرقة أقامت ولم تقارف الذنوب ، وفرقة قارفت الذنوب ، فلم ينجو من العذاب إلا من نهى ..» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٩٠ عن تفسير العياشي عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه ـ