فهم إذا «صنف ائتمروا وأمروا فنجوا ، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرا وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا» (١) وهؤلاء الآخرون هم الذين (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وهذا جزاء وفاق أنكم كما جعلتم أنفسكم قردا خاسئة فلتكن أبدانكم كأنفسكم ، مسخا عن صورة الإنسانية كما مسختم عن سيرتها ، فقد انتكسوا إلى عالم الحيوان حين تخلوا عن خصائص الإنسان ، فقيل لهم قيلة التكوين : كونوا حيث صنعتم بأنفسكم ، كذلك بأبدانكم انتكاسا إلى هوان الحيوان.
كما وأن الساكتين مسخوا ذرا إذ كان موقفهم موقف الذر حيث كانوا سكوتا عن النهي في ذلك المسرح القاحل المتعاضل.
وهنا «خاسئين» وصفا ل «قردة» تميزهم عن سائر القردة ، حيث القردة الحيوان ليست خاسئة بعيدة عن رحمة الله لأنها خلقت قردة فما ذنبها إذا حتى تخسأ؟.
ولكن هؤلاء الخاسئين إنما خسئوا بكونهم خاطئين فتحوّلهم إلى قردة ـ إذا ـ عذاب لهم في الأولى فلتكن أرواحهم كما هي ، والتحول يخص أبدانهم حتى يدركوا عذاب ذلك التحول ، فهم ليس لهم نسل ولا بقاء ، ولا يجانسون سائر القردة في سائر الميّزات حتى ينسلوا ، وكما يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) «إن الله لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا» (٢) ذلك وقد دلت على ما تنبهناه روايات مضت ومنها ما لم ننقلها.
__________________
ـ (عليهما السّلام) في الآية قال : افترق ... قال قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) : ما صنع بالذين أقاموا ولم يقارفوا الذنوب؟ قال : بلغني أنهم صاروا ذرا».
(١) المصدر عن روضة الكافي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الآية قال : أقول : الذين ائتمروا وأمروا هم الذي لم يعدوا ولم يسكتوا فنجوا ، والذين ائتمروا ولم يأمروا هم الذين سكتوا ، والآخرون الذين لم يأتمروا ولم يأمروا هم الذين عدوا.
(٢) المصدر عن مجمع البيان وردت الرواية عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وفي الفقيه قد روي أن المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام وأن هذه مثل لها فنهى الله عزّ وجلّ عن أكلها.