(قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(١٢).
«ما منعك» تلمح بأن طبيعة الحال وقضية المجال كانت السجدة دونما فتور ، حيث الآمر هو الله المولى والمأمورون هم ذلك الحشد العظيم بمن فيهم إبليس ، المولّى عليهم ربهم.
فلا بد ـ إذا ـ من مانع هو أقوى من دافع ، كما هو قضية الحال في كل عصيان.
(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) فكيف يسجد «خير منه» لمن هو أدنى؟ إذ (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)! والنار خير من الطين في كافة الفاعليات مهما كان الطين ـ علّه ـ خيرا منها في قابليات ، ولكنها أيضا على ضوء فاعليات النار حيث تفعل آثارها فيه فتنبت منه نباتا وحيوانا وإنسانا.
ذلك ولكنه أخطأ في بعدين بعيدين ، ثانيهما أنه رد على الله بذلك البرهان! وكأنه غافل عما خلق أو جاهل به ، أم هو ظالم في تقديم المفضول على الفاضل ، وكل ذلك إلحاد بل هو أنحس من الإلحاد في الله والإشراك بالله ، ولذلك استحق الدحر أبد الآبدين ، كما وأنه أخطأ في أصل البرهان (١).
__________________
(١) وتقريرا لقياس إبليس يقال : إن النار مشرق علوي لطيف خفيف حار يابس مجاور لجواهر السماوات ملاصق لها ، والطين مظلم سفلي كثيف ثقيل بارد يابس بعيد عن مجاورة السماوات ـ والنار قوية التأثير والفعل ، والأرض ليس لها إلّا القبول والانفعال والفعل أشرف من الانفعال ـ
والنار مناسبة للحرارة الغريزية وهي مادة الحياة ، وأما الأرضية والبرد واليبس فهي تناسب الموت والحياة أشرف من الموت ـ
ونضج الثمار متعلق بالحرارة وسن النمو من النبات لما كان وقت كمال الحرارة كان غاية كمال الحيوان حاصلا في هذين الوقتين ، وأما وقت الشيخوخة فهو وقت البرد واليبس