والحواس أئمة الأعضاء ، فلا تفويض لعباد الله في أفعالهم كما لا جبر ، ولله تعالى الدور الأصيل في تحويل القلوب عدلا وفضلا ، حيلولة بين إمام الأئمة والمأمومين في مخمس الكيان الإنساني في هذا الحقل.
وليس (اللهَ يَحُولُ) يعني انه بذاته يحول بين المرء وقلبه ، فإنما هي علمه ومشيئته الحائلة بينهما ، فصلا بين المرء وبين قلبه ، فانه فصل بين قلبه كإمام الأئمة وبين المأمومين العقول والأفكار والحواس والأعضاء.
فحين يحنّ قلب المؤمن خلاف هواه إلى شرّ أو يحن إلى ترك خير ف (اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) تقليبا له إلى خير أم ترك شر ، ويعاكسه الكافر ، قضية الجزاء العدل.
فرغم أن القلوب أئمة العقول والعقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء (١) ، رغم ذلك لله المشية الحكيمة بين القلوب وسائر الخمسة تدبيرا صالحا على ضوء ما يقدمه المرء من معدّات وما يعنيه في أصل التصميم الصميم خيرا أو شرا ، وصالح الحيلولة الإلهية هو حيلولة العلم فإنه أقرب إلينا منا ، وحيلولة القيومية ، فإنه أقوم لنا منا ، وحيلولة الإرادة إيجابيا أو سلبيا في صالحنا وطالحنا كما هو قضية العدل أو الفضل ، توحيدا لربوبية التأثير ، وحين يحول الله بين المرء وقلبه ، فبأحرى له أن يحول بين المرء وكل قواته ومراداته ، بين بصره ومبصره ،
__________________
(١) وبنقل آخر في مستدرك نهج البلاغة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله : العقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة القلوب والقلوب أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء(مستدرك ١٧٦) ولكن الآية تؤيد ما ننقله في المتن كرارا ، حيث المحاور الأصيلة هي القلوب ، وحصائل العقول والأفكار والصدور لما تدخل في القلوب تغربل وتخلص.
وقد يوجه الوجهان توافقا بينهما في وجهين ، ان للعقول قوسا صعوديا وآخر نزوليا ، فالصعودي إنها أسس الأفكار ثم الأفكار أسس القلوب ثم القلوب آمرة للحواس ثم الحواس آمرة للأعضاء.
والقوس النزولي ان القلوب تأمر العقول والعقول تأمر الأفكار والأفكار تأمر الحواس والحواس تأمر الأعضاء ، فالآمرية الأخيرة إذا هي للحواس حيث تأمر الأعضاء ، ثم بداية الصعود من العقول ، ثم نزول الأمر من القلوب إلى العقول إلى الأفكار. تأمل.