الجسم الإنساني إلا اعتبارا بروحه الكائن فيه ، أو كان أم سوف يكون.
أم هي ذرية الأبدان : «النطف» مع أرواح تعقل وتشهد؟ ولا تسمى هذه المجموعة ذرية بل هي الآباء الأصول وهم الذرية الفروع.
ثم و «بني آدم» كلهم عن ذلك الإشهاد وتلك المسائلة غافلون ، إذا فلهم الحجة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) دون فارق بين ما لو كانت هذه مسائلة واقعة أم لم تكن! فهل أخذت ذرية الأبدان بأرواح عاقلة مكلفة تثبتا لما ليست بحجة على أية حال ، إذ لا يذكره أحد من بني آدم حتى أفضل المؤمنين فضلا عن المشركين!.
ثم وآية الإنشاء (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (٤٣ : ١٤) وآيات كأضرابها ، تضرب بخلق الأرواح قبل الأجساد ضرب الحائط!.
أم إن «ذريتهم» هي فطرهم فإنها ذريات الأرواح ، فكما النطف هي ذريات الأجسام وأصولها ، كذلك الفطر هي ذريات الأرواح وأصولها ، وإنما كيان الإنسان بروحه ، وكيان الروح بفطرته (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فهي الأصيل الأوّل من بعدي الإنسان الأصيلين الجذريين ، فللجسم بعد الأصل النطفة الذرية وبعد الفرع ، سائر الأجزاء المتفرعة عليها ، وللروح بعد الأصل الفطرة الذرية ، وبعد الفرع سائر الروح المتفرعة عليها ، فأحرى بالفطرة أن يعنيها «هم» هنا وهناك.
فما لم يشهدوا على أنفسهم فيعرفوها ، لا يصح أن يشهدوا على أنفسهم فيعترفوا بحكم فطرتها ف «من عرف نفسه فقد عرف ربه» فليعرف الإنسان نفسه بفطرته ليعرف على غرارها ربّه ، فإن معرفة النفس أقرب ما يعرفه الإنسان من مطلق الكون ، فلا يعذر أحد في جهله نفسه (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا).
والسؤال : ألست بربكم ـ تقديري أن جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ـ وذلك السؤال نفسي وخارجي ، فلو تعنت الإنسان في الإجابة الصحيحة عن ذلك السؤال فهو بينه وبين نفسه يجيب «بلى» لا سيما إذا تقطعت الأسباب وحارت دونه الألباب ، إذ يراه يتعلق قلبه بسبب واحد