خفي وهو الله تعالى شأنه العزيز! (قالُوا بَلى شَهِدْنا) شهودا فطريا ، ثم فكريّا.
فقد أخذ الله فطرة كل إنسان وهناك الإشهاد والمسائلة؟
وكيف تؤخذ الفطرة التي فطر الناس عليها قبل خلق الناس بروح وجسم ، والفطرة هي أعمق أعماق الروح ، وقد خلقت الأرواح بأعماقها بعد الأجساد كما تقوله آية الإنشاء؟
وترى «من» هنا تبعيضية تعني أن المأخوذ هنا هو البعض من بني آدم ، فهل هو البعض من الكلي وهم جمع منهم؟ وهذه الحجة مأخوذة على كلهم!
ثم «ذريتهم» دون «ذرياتهم» تؤكد أن ذلك البعض هو البعض من كل واحد منهم.
أم هي نشوية تعني نشوء ذلك الأخذ من منشإ بني آدم ثم المأخوذ هو (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) عناية إلى فطرهم التي هي ذريات الأرواح وأصولها ، أم هي بيانية تبين المأخوذ انه ليس بني آدم من كل منهم كله ، وإنما هو (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وهي أصول أرواحهم وفطرهم.
وعلى أية حال المأخوذ منهم في ذلك العرض للحجة الذاتية هو الأصل المعطى لهم (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
ف «أخذ» هنا حكاية عن كيان تكوينه بصورة المسائلة ـ وليست في الحق مسائلة ماضية ـ بل هي تقديرية أنه إذا سئل أجاب «بلى» فقد خلق في حاق ذاته على قول «بلى».
وجوابا عن سؤال : لماذا هذا التعبير الغامض عن حجة الفطرة ، وهي مذكورة في آية الفطرة ببساطة؟
نقول : آية الفطرة تتحدث عن أصالتها وبسالتها في أحكامها ، وآية الذرية تبين مكان الفطرة بمكانتها ، أنها ذرية الروح وأصله وأثافيّه ، ولأن المخاطب فيها أولا هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فلا ضير في أجمالها بعرضها إياها بذلك الجمال.