أجل هناك (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) تقرير لأصالة الفطرة في كيان الإنسان ، وهنا (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أنها من ظهر الروح ، تعبيران متجاوبان يتحدثان عن أصل كيان الإنسان وأثافيّه.
فقد تعني «ذريتهم» هذه ـ والله أعلم ـ فطرهم (١) ، دون أرواحهم ككل ولا أجسادهم في جزء ولا كلّ ، والفطرة من كل إنسان هي أصله الأصيل ، فإنها (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وهي حجر الأساس لإنسانية الإنسان.
فالإشهاد والمسائلة لا تعنيان إلّا قضية الفطرة لبني آدم على طول الخط دون زمن خاص واحد ، بل بمستمر زمن الخلقة لذلك النوع
__________________
(١) وفيه روايات كما في نور الثقلين ٤ : ١٨٤ ح ٥٣ عن أصول الكافي باسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ (فِطْرَتَ اللهِ) ما تلك الفطرة؟ قال : هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد «قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وفيه المؤمن والكافر.
وفيه ٢ : ٩٦ ح ٣٥٢ عن التوحيد باسناده المتصل عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أصلحك الله قول الله في كتابه (فِطْرَتَ اللهِ)؟ قال : فطرهم على التوحيد عند الميثاق وعلى معرفة أنه ربهم ، قلت : وخاطبوه؟ قال : فطأطأ رأسه ثم قال : لو لا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم ، أقول : طأطأة الرأس نكران أن يكون هناك قال فانه لا يضمن المعرفة ، وإنما حال الفطرة ذاتية هي التي تضمن المعرفة. وفيه ٢ : ٩٧ عن التوحيد باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يراه المؤمن يوم القيامة؟ قال : نعم قد رأوه قبل يوم القيامة! فقلت : متى؟ قال : حين قال لهم : ألست بربكم قالوا بلى ثم سكت ساعة ثم قال : وان المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير : فقلت له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال : لا ـ فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر ، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون الملحدون.
أقول : ورؤيتهم قبل القيامة هي رؤية المعرفة الفطرية دون رؤية المقاولة المشافهة وقد تكون للمنافقين أكثر!