إذا هو عرف وشكر ، كما يملك أن يزيلها عن نفسه أو ينقصها إذا هو أنكر ويطر ، وانحرفت نواياه فانجرفت خطاه.
فهنا نعم أنفسية هي الفطرة والعقلية الإنسانية والحس السليم والقلب السليم كما خلق الله ، فحين يغيّر هذه النعم الأنفسية إلى عليين فالله يغيرها إليه وأعلى مما يعنيه ، ويزداده نعما آفاقية تكوينية وتشريعية ، وإذا كانت له نعم آفاقية فغيّر ما بنفسه من نعمة ازداده الله فيها ، ويعاكسه إذا غير ما بنفسه إلى سفل فهو يسفله ويرذله كما فعل ، ومن ذلك الختم على القلوب والغشاوة على السمع والأبصار (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
وهذه سنة دائبة عادلة في التعامل بين الإنسان ونفسه وربه ونعمه ، حيث تنعكس عليه بكل خير أو شر في الأولى ثم الأخرى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
وتلك الضابطة الثابتة حقيقة كبيرة حقيقة بالتأمل التام في كافة الحقول الحيوية ، جانب عظيم من التصور القرآني لحقيقة الإنسان ، يبين تقديره عند العظيم القدير بذلك التدبير العادل الجدير ، وكما يبين فاعلية الإنسان بقابليته في مصير نفسه ومصير الأحداث حيث يبدو الإنسان من خلال كل المساير والمصاير عنصرا إيجابيا في صياغة ذلك المصير بإذن الله وتقديره وتقريره لكل مسير ومصير من خلال حركته الصالحة والطالحة على ضوء نيته وشاكلته.
فقد تنتفي عنه بذلك تلك السلبية الذليلة المفروضة عليه من المذاهب المادية ، حيث تتصوره وتصوره عنصرا سلبيا إزاء الحتميات الجبارة المتخيلة ، كحتمية الإقتصاد والتاريخ والتطور وما أشبه من سائر الحتميات المختلقة التي ليس للإنسان إزاءها حول ولا قوة ، فلا يملك أمامها إلا الخضوع الطليق كالرقيق ، ضائعا خائفا ذليلا ساقطا إلى مهوى سحيق.
وهكذا نتعرف إلى الإنسان أنه هو الذي يصنع التاريخ دون جبر ولا تفويض ، وإنما هو أمر بين أمرين أمرّين (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) قالاتهم «عليم» حاجياتهم.
ذلك ، ومن أنعم النعم الربانية نعمة القرآن العظيم والذكر الحكيم ،