الأخذ الصنع الحجة ، فهم في قبضته فطريا بميثاقهم دون تلفّت عنه ولا تفلّت إلّا من ظلم نفسه.
«أخذ ذريتهم» حيث أخذ يخلق أرواحهم ، أخذا في أخذ دون أي وخز ، وأين أخذ من أخذ؟! وهذه هي الحجة الوحيدة الذاتية ، غير الوهيدة على أية حال ، تقطع أية عاذرة في الأنفس والآفاق ، ومن الأولى الغفلة الذاتية الفطرية للنفس :
(أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) حيث الغفلة الفطرية العاذرة تعذر صاحبها في غفلة عقلية ، فتغافلا عن تذكيرات الرسالات الإلهية ، وأما اليقظة الفطرية فصاحبها غير معذور وإن لم يعقل ، مهما كانت الحجة عليه قدر حكم الفطرة.
فما لم يتزود الإنسان في أعماق ذاته بحجة التوحيد ، المعصومة ، والعقول ليست معصومة ولا ـ بأحرى ـ عاصمة دون أخطاء ، والشرعة الإلهية لا تقبل إلّا بحجة معصومة ، فالإنسان معذور في ترك الشرعة ، وله الحجة ـ إذا ـ : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) ـ : غافلين عن أن الله ربنا! إذ لم يكتب في ذواتنا كلمة التوحيد.
ومن الثانية عامل التربية ، فلو لا الفطرة المفطورة على التوحيد ، فلمن يشرك بالله ، خاويا عن حجة ذاتية ، عائشا في جو الشرك ، في تربية شركية بين الآباء ، أم أي مجتمع شركي ، إن له عذرا في إشراكه بالله ، لقصوره الذاتي ، والواقع الخارجي.
ولا يقطع الأعذار الأنفسية والآفاقية ، إلّا حجة ذاتية فطرية ، وهي الدين حنيفا ، حيث أمرنا بإقامة وجوهنا إليها : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٠). حجة قيمة قائمة على كل نفس بما كسبت ، لا تبدّل لها ولا تبديل ، قاطعة كل عذر إلّا الجنون ، أماذا من قصور دون تقصير ، فالفطرة بنفسها ليست حجة كاملة ما لم يساندها العقل فيستند إليها ، ثم الشرعة الإلهية تتبنى العقول كوسائط والفطر كأصول ،