«وأعدوا» وهو أمر مرحلي في ظروف حاسمة خطرة تقتضي مواجهة الواحد من المؤمنين بعشرة من الكافرين ، قضية كثرتهم أولاء وقلتهم هؤلاء و «بأنهم» أولاء (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).
فقد أمر المؤمنون القلة أمام الكافرين الكثرة أن يقاتلوهم ويغلبوهم وهم معشارهم : «عشرون صابرون يغلبوا مأتين ـ و ـ مائة يغلبوا ألفا».
وترى إذا كان القصد من العشرين أمام مأتين واجب تحمل المعشار من المؤمنين أمام عشرة أضعافهم من الكافرين ، فلما ذا ـ إذا ـ البداية ب «عشرين»؟
لأن المعشار غير مفروض فيما دون العشرين وقد كافت سرايا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأقل تقدير العشرين ، ولأكثرها قد تكون مائة فلذلك إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ، تأكيدا لواجب المعشار وتبينا للحالة الحاضرة ، كما وقد ابتدأ في الآية الثانية بالمائة مما يلمح أن المائة حينذاك كان أقل تقدير في أكثرية الأحيان ثم الألف.
لأن الفقه هو التوصل بعلم حاضر إلى علم غائب والكفار لا يعلمون غائب الكون بحاضره لا مبدء ولا معادا ولا ما بين المبدء والمعاد ، وإنما (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧) فهم لا يبصرون بالدنيا ما وراءها وإنما يبصرون إليها كأصل وختام للحياة ، فهم ـ إذا ـ حريصون على الحياة الدنيا ، والمؤمنون حريصون على الآخرة ، فهم أولاء يضحون في سبيل الله ولا يبالون أن يقتلوا فيها ، والكافرون حريصون على الدنيا حائطون عليها بكل حائطة ، وطبيعة الحال بين هؤلاء وهؤلاء ، الصابرين في سبيل الله والذين لا يفقهون إلا اللهو ، أن يغلب الأولون على الآخرين ، اللهم إلّا إذا تخلف فريق عما شرط له أو عليه.
ذلك ، فالمؤمن الفقيه الصابر إنما يقدم في الجهاد قضية إيمانه الفقيه الصابر ، وهو هو القوة التي لا قوة فوقها يساميها أم مثلها فيساويها ، فالشجاعة والجرأة والاستقامة والطمأنينة والثقة بالله وأنه يتربص إحدى الحسنيين ، هي التي تعدل ـ لأقل تقدير ـ عشرا من القوات الكافرة الخاوية