إليهم عبرة وتذكرة وتفكرة ، فإن كل إنسان تاريخ بنفسه فضلا عن كل جيل.
فدراسة القصص الحق هي كراسة للتفكير ، وحراسة عن التهدير ، ومراسة لسلوك صالح السبيل (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) و (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
فليس القرآن كتاب العرض القصصي تخديرا لأعصاب متوترة ، وإتلافا لأوقات ثمينة ، إنما هو فتح لما مضى من كتاب الحياة الإنسانية ، ممثلا كافة النتائج الواقعة ، خيّرة وشرّيرة من قبل لفريقي الخير والشر ، فهو نبراس لمستقبل الحياة ومتراس ، إضافة إلى حاضرة العظات القرآنية ، المحلقة على كل صنوف البراهين ، مبشرة ومنذرة.
وهذا هو المعني من السير في الأرض بتاريخها الجغرافي وجغرافياها التاريخي ، تفكرا في خلق الله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٩ :) ٢٠) وذلك سير آفاقي وأنفسي متعاضدين مع بعضهما البعض للحصول على معرفة المبدء والمعاد ، وسير آخر به يطلع على مسير المكذبين ومصيرهم : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (٢٧ : ٦٩).
وجامع السير هو النظر إلى كل عواقب الخير والشر : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) (٣٠ : ٤٢).
فقد يضم السير في الأرض إلى كل إنسان تجربات ماضية لقبيل الإنسان ، فالإنسان السائر في الأرض بنظرة واقعية إلى وقائع الأرض ، يصبح كأنه التاريخ كله ، يقبل إلى وارده ويدبر عن شارده فيصبح ابنا صالحا للتاريخ الواقع.
ولكي نحصل على حاق التاريخ دون ليّ وعيّ ، علينا أن نكون واقعيين ، لا خياليين تقليديين لكل ما قيل أو يقال ، فننظر إلى واقع التاريخ