المفتوح ، دون المقفل المغلق المغفّل الذي اختلقته مصلحيات المترفين المسيطرين على الشعوب بالسيف والنار ، فإنه تاريخ منكوس مركوس يصنع من السائر فيه نكسة وركسة عن انسانيته.
فالإنسان الجاهل بالتاريخ هو ابن نفسه قدر نفسه خيّرة وشريرة ، والعالم بالتاريخ هو ابن التاريخ إضافة إلى كونه ابن نفسه ، حيث يجمع تجارب السابقين إلى تجاربه نفسه ، ان في طريق الهدى أم طريق الردى.
ولأن النبوات هي بناة التاريخ الصالح ، فالذي يدرس تاريخها بتقدماتها وعرقلاتها لتكون له نبراسا ينير الدرب إلى الحق المرام ، ومتراسا يترس به عما لا يرام ، ذلك الإنسان يصبح ابن النبوات بحصائلها في وسائلها التي يدرسها.
ولا بد في عرض التاريخ من أرض صالحة لذلك العرض وهو القرآن ، حيث تعني (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أرضه بعرضه لصالح التاريخ غير المدسوس ولا المغشوش.
والقرآن حافل للقصص التاريخي الصالح لإنشاء فكرة صالحة ، بجنب ما هو حافل لسائر المواد التربوية الربانية.
إذا فلا فارق بين إنشاءات القرآن وإنباءاته ، حيث الكل تعني بناية الإنسان كأصلح ما يرام في حقل التربية الربانية.
(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ)(١٧٧).
فقد رجع رجيع ظلمهم ـ بما كذبوا ـ إلى أنفسهم ، فلن يضروا الله شيئا ولا آياته حيث الحق ليس ليتحول عن حاله بتواتر التكذيب ، فإنما المتحول هو نفوس الظالمين حيث نزلوا أنفسهم عن كيانها الإنساني فهم (كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) :
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(١٧٨).