ولا يهدي الله إلّا من هو في سبيل الاهتداء ، ناحيا نحو الهدى ، وأما الناحي نحو الردى ، حيث يضل بما يهوى ، فهو يضله مهما أوتي من آيات الله الدالة على حق الهدى.
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ)(١٧٩) ـ
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٢٥ : ٤٤) ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (٤٧ : ١٢).
إن القلوب تفقه كأصل من ناحيتين اثنتين ، ذاتية أنفسية دون حاجة إلى أعين وآذان ، وآفاقية هما فيها من الذرايع الإذاعية لها ، فإن الصورة الصوتية المسموعة وغيرها المبصرة تنتقل إلى القلوب فتدرسها تقليبا لها ظهر بطن اصطفاء لأحسنها وأليقها تقبلا.
فالذين (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) ثم (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) بصر الإنسان الواعي (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) سمع الإنسان (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) حيث لا تفقه فقه الإنسان ولا تبصر أو تسمع كما الإنسان ، ولأن ذلك في الأنعام قصور دون تقصير ، وهو في الإنسان تقصير دون قصور فليس ـ فقط ـ أولئك كالأنعام (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) حيث (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) بما غفلوا ، والأنعام غافلة عن ذكرى الإنسان كما خلقت.
وترى كيف (ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)؟ وقد خلق الخلق للرحمة لا للعذاب ، ف (لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١١ : ١١٩).
ثم (لَهُمْ قُلُوبٌ) هل هي صفة الذرء الخلق؟ فما بالهم يؤنّبون ويعذّبون! أم صفة المخلوق بسوء اختياره؟ فكيف (ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ)!.
الذرء ليس هو الخلق نفسه ، بل هو إظهار ما خلق بمظهر أعمالهم