الصالحة أو الطالحة ، كما «يذرؤكم فيه» (٤٢ : ١١) و (مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ) (٦ : ١٣٦) هما إظهار ما خلق بمظهر آخر.
فكما أن مظاهر الخير هي من الخيّرين وهي من عند الله ، كذلك مظاهر الشر هي من الشرّيرين وهي من عند الله ، بمعنى أنهما منا بما نختار ونعمل ، وهي من عند الله بما يجازي بالعمل.
وهنا ثالوث المواصفات «لهم قلوب لهم أعين لهم آذان» تقرر معنى الذرء ، فنسبة الذرء إليه تعالى لا تعني أنهم خلقوا لجهنم ، بل هم الكثير كما القليل خلقوا للرحمة ، ولكنهم بسوء صنيعهم بهذه الذرايع إلى الرحمة ، هيّئوا أنفسهم لجهنم.
فلما ذا (ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) لأن (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) وقد أمروا بالفقه والإبصار والسماع وهو مهيّئ لهم أسبابها الآفاقية والأنفسية ، فهو يذرؤهم ـ إذا ـ إظهارا بمظهر الخير الذي لم يعملوه بمظهر الشر الذي عملوه ، فذلك ذرأهم أولاء لجهنم ، وكما ذرأ قليلا للجنة وهم أولئك الذين لهم قلوب يفقهون بها ولهم أعين يبصرون بها ولهم آذان يسمعون بها ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ)(٦٧ : ١٠).
ذلك ، فإنما الإنسان هو القلب الفقيه والعين البصيرة والأذن السميعة بما لها من درجات ، ومن سواه ليس من الناس ، بل هو من النسناس بماله من دركات.
فقد خلق الله الإنسان للرحمة ، ثم ذرأ الصالحين للجنة والطالحين للنار بما ذرأوا أنفسهم ، وكما يحضر الزارع الحبّ فيذرء صالحه لزرعه ويذرأ طالحه لما دون ذلك ، وهكذا يذرأ الإنسان كما يزرع في مزرعة الدنيا (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).
ذلك ، وقد يعني «ذرأنا» هنا إلى ما قدمناه ، ذرء العلم ، أن الأكثرية من الجن والإنس هم سائرون إلى جهنم بما يختارون على علم