بِما أَراكَ اللهُ) (٤ : ١٠٥) و (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٥٣ : ٤) وأضرابهما من الحجج على عصمته الطليقة؟!.
إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على عصمته الطليقة قد يطلقه الله تعالى فيفلت فلتة يسيرة ، لكي يعلم وتعلم معه الأمة أنه ليس مكتفيا بنفسه : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١٧ : ٧٤).
وهكذا تفسر كافة المظاهر من تأنيبات الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الرسل ، أنها لصالح الرسالة ، كيلا يزعم زاعمون أنه يقول ما يقول من عند نفسه ، دون صدام بينها وبين عصمته الطليقة (١).
وقد يجيب الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سؤال الزنديق بحق هفوات الأنبياء بقوله : «وأما هفوات الأنبياء وما بينه الله في كتابه فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله عز وجل الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة ، لأنه علم أن براهين الأنبياء تكبر في صدورهم ، وأن منهم من يتخذ بعضهم إليها كالذي كان من النصارى في ابن مريم ، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عز وجل ، ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى (عليه السلام) حيث قال فيه وفي أمه» : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) يعني من أكل الطعام كان له ثفل ومن كان له ثفل فهو بعيد عما ادعته النصارى لابن مريم (٢).
ذلك ، فليس ليفيض الله عصمته الخاصة الطليقة على أحد من عباده ، والعصمة الرسالية لا تعني إلّا تلقيا رساليا وبلاغا وتطبيقا رساليين ، ومن البلاغ الرسالي تبيين أنهم ليسوا إلّا رسلا لا يستقلون عن الله ولا يستغلون رسالة الله ، فلا بد ـ إذا ـ لهم من هفوات تدليلا على قصوراتهم
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٤٧ ـ أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير عن عمرو بن ميمون الأودي قال : اثنتان فعلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤمر فيهما بشيء ، إذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فأنزل الله : عفا الله عنك ...
(٢) بحار الأنوار ٩٠ : ١١٢ باب رد المتناقض في القرآن.