الذاتية ، ثم الله يبينها لذلك ولكي لا يبقى نقص في شرعته.
فلو أن الله عصمهم كما هو لضل كثير رغما أنهم آلهة ، ولو أنه لم يبين قصورهم الذاتي لم يتبينوا أنهم ليسوا بآلهة ، ولا ما هو الحق فيما قصروا.
إذا فهفوات النبيين فيما دون العصيان هي ضرورات ذوات أبعاد.
فكما أن قضية الحكمة الربانية أن يعصم رسوله بعصمة طليقة ، كذلك الحكمة من واجهة أخرى حفاظا على الرسالة من الغلو فيها أن يطلقه الله طرفة بعد طرفة ، ثم يمسكه على طول الخط وفي كل طرفة ، تدليلا على (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) (١٧ : ٨٧) وليس فيه تضليل للأمم حيث يبين الله لهم موارد هفواتهم ، وأنها ما كانت عصيانا له تعالى إلا خطأ قاصرا دون تقصير.
ذلك وكما أبطأ عنه الوحي ردحا حتى ظن ظانون أن ربه ودّعه وقلاه فنزلت : (وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) فكما الضحى صالحة للحياة ، كذلك الليل إذا سجى ، وهكذا سجى ليل انقطاع الوحي ، كضحى الوحي ، هما صالحان لهذه الرسالة ، مهما اختلفت صورة عن صورة ، حيث السيرة واحدة تعني تبني هذه الرسالة السامية ألّا يظن بالرسول أنه يملك وحي الله ، أو أنه يصدر بوحي من عقليته البشرية.
كما وأن (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٢٩ : ٤٨) نموذج آخر من هذه الحائطة ، فرغم أن التلاوة وخط الكتاب هما من الفضائل ، قد يصبحان خارجة عنها إلى الرذائل ، حيث (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).
وبعد كل ذلك فقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مأذونا أن يأذن لمن شاء من المؤمنين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ