ذلك ، والاستقراء الأحكامي يؤكد تحليق الحظر على كل ضر وإضرار من قبلنا ، فترى ـ إذا ـ يحكم الله بأحكام تضر بنا أو تجعل مضارة بيننا ، ومهما كان في بعض الموضوعات كالأمر والنهي والجهاد أضرار فهي مجبرة بمنافع دنيوية أو أخروية أم فيهما.
ذلك ولا فحسب هنا «ضرارا» بل «وكفرا» أن تكون الغاية لبناية المسجد الكفر بالله ، محاولة لحمل جماعة على الكفر ، ولآخرين على أن يكون لهم مكانا ومكمنا وناديا.
ومن ثم (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) باسم الإيمان ، وأخيرا (إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) ليكون لهم مرصدا مقويا لساعد الكفر ومكسرا لساعد الإيمان.
فقد جاءه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوم من المنافقين فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتأذن لنا فنبني مسجدا في بني سالم للعليل والليلة المطيرة والشيخ الفاني ، فأذن لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على الخروج إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله لو أتيتنا فصليت فيه؟ فقال : أنا على جناح الطير فإذا وافيت إنشاء الله أتيته فصليت فيه ، فلما أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تبوك نزلت هذه الآية في شأن المسجد وأبي عامر الراهب ، وقد كانوا حلفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم يبنون ذلك للصلاح والحسنى فأنزل الله هذه الآيات الأربع (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٦٦ في تفسير علي بن إبراهيم حول الآية ... وفي الدر المنثور ٣ : ٢٧٦ عن ابن عباس في الآية قال : هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر ابنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوة سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فأتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا عند فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة فأنزل الله (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ..) وفيه عن قتادة في الآية قال : إن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنى مسجدا بقبا فعارضه المنافقون بآخر ثم بعثوا إليه ليصلي فيه فأطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك.