فهنا «ضرارا» خطوة أولى منافقة ضد الإيمان والمؤمنين ، ثم «كفرا» هو ضد رسول الإيمان محاولة لإخراجه عن مهجره كما أخرج عن عاصمة دعوته ثم (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) بذلك الضرار أن يتفرقوا بعضهم عن بعض (١) وبذلك الكفر أن يتفرقوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن ثم (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) وهم أبو عامر الراهب ورهطه (٢) ومن أشبه هؤلاء.
فاتّخاذ مسجد ضرارا وكفرا و... هو من ضابطة ثابتة مدروسة من شيطنات المنافقين أن يحاربوا الدين بالدين والدينين بالدينين ، حربا ضارية مختلقة بين مظاهر الدين وأصله ، فصلا للدينين عن الدين وللدّين عن الدينين.
ذلك (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) : النية الحسنى ، والعملية الحسنى ، فالبداية الحسنى والغاية الحسنى ، توسعة للضعاف ولأمكنة العبادة ، وتوفيرا على جموع المسلمين ، (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في حلفهم.
ويا لمسجد الضرار من أخطار ، فقد اتخذ على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما نسمع الله يقول ، مكيدة على الإسلام والمسلمين ، إضرارا بهم وكفرا بالله وبرسوله ، وستر المتآمرين على
__________________
(١) وذلك لأن المنافقين قالوا : نبني مسجدا فنصلي فيه ولا نصلي خلف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن أتانا فيه صلينا معه وفرقنا بينه وبين الذين يصلون في مسجده فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وبطلان الألفة.
(٢) أبو عامر هذا والد حنظلة غسيل الملائكة ، وسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الفاسق وكان قد تنصر في الجاهلية وترهب وطلب العلم فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عاداه لأنه زالت رياسته وقال : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ولم يزل يقاتله إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازن خرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر وآت من عنده بجند فأخرج محمدا وأصحابه فبنوا هذا المسجد وانتظروا مجيء أبي عامر ليصلي بهم في ذلك المسجد.