وفي رجعة أخرى إلى الآية نرى أن النفقة المتعودة في غير ما تبذير أو إسراف خارجة عن الكنز ، وقد تشمل الميراث ، ولو لا أنه مسموح لما كان دور لآيات الميراث ، فمثلث النفقة الحاضرة والمستقبلة وما بعد الموت لمن عليه نفقتهم ، إنها خارجة عن الكنز ، اللهم إلا إذا دار الأمر بين الأهم والمهم ، كما إذا كانت الحاجة الحاضرة أهم من المستقبلة ومن الميراث.
فالضابطة الصالحة هي استثناء مثلث النفقة عن الكنز إلا فيما يستثنى.
وعلى أية حال فبطالة المال وعطالته هي كعطالة الحال وبطالتها غير مسموحة في شرعة الله ، فلا تقوم الحياة إلا بحركة صالحة بين العمل والمال ، فليس كل واحد منهما يكفي لإدارة شؤون الحياة ، ولأن الأصل في كل المعاملات والمعتمد هو الذهب والفضة ، لذلك فكنزهما يعني كنز الثروات دونما إدرار لمصالح الحياة.
وهنا يستثنى النفقات الحاضرة ومؤنة السنة ، ومؤنة العمر ، ومؤنة الورثة بالقدر المعتدل لولا الأهم الذي يقدم على متعود هذه النفقات.
فالنفقات الواجبة والراجحة دونما تبذير وإسراف هي خارجة عن الكنز ، اللهم إلّا إذا اقتضت الضرورة ترك الراجحة الشخصية الحاضرة إلى الواجبة الجماعية الحاضرة وهكذا تترتب النفقات الأربع مع بعضها البعض ، متراوحة بين واجبة وراجحة ، والأصل الثابت هو تقديم الأهم على المهم على طول الخط ، فما كان مهما وهناك أهم فهو كنز يجب إنفاقه في سبيل الله من مستحبة امام واجبة ، أم مؤنة السنة أمام المؤنة الحاضرة الضرورية ، وإلى هذا القياس.
فحين يحتاج مسلم الى قوته لا يمسح لك التوسع في نفقتك ، وحين يحتاج مسلم إلى بلغة عيشته الحاضرة لا يسمح لك ادخار مؤنة المستقبل في مثلثها مترتبة.
و (كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) تشمل كل حظوة شخصية للكانز مهما كانت إيراثا وهناك أهم منه مصرفا ، إيثارا للحظوة الشخصية الخيالية أم والواقعية