الظاهر والباطن.
وأخرج ـ أيضا ـ من طريق أبي بكر بن عيّاش عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن عليٍّ قال : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولا ، إنتهى.
ثم قال ـ السيّد الصدر ـ : وأمّا سائر أنواع علوم القرآن ، فأوّل من نوّعها وقسّمها فهو ـ أيضاً ـ عليٌّ أميرالمؤمنين ، أملى ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن ، وذكر لكلّ نوعٍ مثالاً يخصّه. وهو في كتاب نرويه عنه من عدّة طرق ، موجود بأيدينا إلى اليوم. وقد أخرجه بتمامه العلامة المجلسي في الجزة التاسع عشر من بحارالانوار المطبوع بايران ، وهو الاصل لكلّ من كتب في أنواع علوم القرآن ، انتهى.
إنّ الحديث عن القرآن الكريم شيّق وشاقّ ، أي أنّه ممتع ومتعب ، لأنّه لا نهاية له ولا نفاد ، وهو طويل متشعّب بعدد علومه وفنونه ، فالحديث كإعجازه الذي لا ينفد ، كرموزه وأسراره ، كأحكامه ومعانيه ، كنظمه ومعانيه ، فكما أنّ أحكامه تسير مسير الزمان ، ومعانيه لا نهاية لها ، كذلك الحديث عن القرآن وأخباره وآثاره وبلاغته وبدائعه لا تنتهي معانيه ، ولا تضاهى مبانيه ، وقد ولع الذين عرفوا بعض جوانب جماله وروعته ، ولعوابه منذ نزوله حتى يومنا هذا ، حيث غاصوا في لججه وهو يمدّهم بلآلئه وفرائده ، ولا زالوا كذلك ، ولا زاك كذلك. يزدادون غوصاً ، ويزداد عطاءً ، فلا تنفد مواهبه أبداً.
فدأب علماء اللغة والنحو ، والتفسير ، والفقه ، وأصول الفقه ، والتأريخ ، والكلام ، والبلاغة والأدب ، كلّ يعمل على شاكلته ، وحسب رغبته ، وبموجب اختصاصه ، يبحث في جانب من جوانبه ، ويتجوّل في بعدٍ من أبعاده ، ويطرق بعض أبوابه. والكلّ لا يرجع إلّا بملء كفّيه مما أفاض عليه هذا الكتاب الكريم. وكلّ منهم قاصر لا مقصر ، لأنّهم بذلوا ما بوسعهم من الجهد لما يتوخّونه ، ولكن عظمة القرآن لا يمكن أن تحيط بها الأفكار القاصرة