ألفاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حتى قال قائل منهم إنّما هم أكلة جزور وقال أبو جهل ما هم إلّا أكلة رأس لو بعثنا عليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد كما مرّ ذكره في القصة وانّما قللهم في أعينهم ليجترءوا عليهم قبل اللقاءِ ثمّ كثرهم فيها بعد اللقاءِ ليفجأهم الكثرة فَيَهابُوا وتقلّ شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسبانهم وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة وعجائب قدرة الله فيها فانّ البصر وإن كان قد يرى الكثير قليلاً والقليل كثيراً لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحدّ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.
(٤٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً إذا حاربتم جماعة كافرة أو باغية واللقاء ممّا غلب في القتال فَاثْبُتُوا لقتالهم ولا تفرقوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقّبين لنصره لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة قيل فيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله تعالى وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشرة (١) فارغ البال واثقاً بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال.
(٤٦) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراءِ كما فعلتم ببدر وأُحد فَتَفْشَلُوا فتضعفوا عن قتال عدوكم وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ دولتكم شبهت الدولة بالريح في نفوذ أمرها وهبوبها يقال هبّت ريح فلان إذا نفذ أمره وقيل لم يكن قط نصر إلّا بريح يبعثها الله.
وفي الحديث النبوي صلىَّ الله عليه وآله وسلم : نُصِرْت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدّبور وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالكلاءة والنصر.
(٤٧) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعني أهل مكّة حين خرجوا منها لحماية العير بَطَراً فخراً وأشراً وَرِئاءَ النَّاسِ ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك أنهم لمّا بلغوا جحفة (٢) وأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فأبى ابو
__________________
(١) الشراشر الأثقال الواحد شرشره يقال القى عليه شراشره أي نفسه حرصاً ومحبّة.
(٢) وجحفة موضع بين مكّة والمدينة وهي ميقات أهل الشام وكان اسمها مهيعة فأجحف السّيل بأهلها فسمّيت جحفة.