في الجوامع روي أنّ المسلمين عيّروا أسارى بدر ووبّخ على العباس بقتال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وقطيعة الرّحم فقال العباس تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقالوا أَوَلكم محاسن قال نعم إنّما نعمر المسجد الحرام ونحجب والكعبة ونسقي الحجيج ونفكّ العاني (١) فنزلت أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي هي العمارة والسّقاية والحجابة وفكّ العناة التي يفتخرون بها بما قارنها من الشرك وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ لأجله.
(١٨) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ إنّما تستقيم عمارتها لهؤلاءِ الجامعينَ للكمالات العلميّة والعمليّة والعمارة ويتناول بناؤها ورمّ ما (٢) استرمّ منها وكنسها وتنظيفها وتنويرها بالسّرج وزيارتها للعبادة والذّكر ودرس العلم وصيانتها ممّا لم تبن له كحديث الدنيا وفي الحديث القدسي : إنّ بيوتي في الأرض المساجد وانّ زواري فيها عمّارها فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره وفي الحديث النّبويّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم : يأتي في آخر الزمان ناس من امتي يأتون المساجد يقعدون فيها حلقاً ذكرهم الدنيا وحبّ الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ يعني في أبواب الدين بأن لا يختار على رضاء الله رضاء غيره فانّ الخشية من المحاذير جبليّة لا يكاد العاقل يتمالك عنها فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ذكره بصيغة التوقع قطعاً لأطماع المشركين في الاهتداءِ والانتفاع بأعمالهم.
(١٩) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ كإيمان من آمن بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ أو جعلتم أهل السقاية والعمارة كمن آمن.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : أنّه قرأ سقاة الحاجّ وعمرة المسجد الحرام.
__________________
(١) العاني الأسير ومنه أطعموا الجائع وفكّوا العاني وكلّ سن ذلّ واستكان وخضع فقد عنى وهو عان والمرأة عانية والجمع عوان ومنه الخبر اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أي أسراء كالأسراء.
(٢) رممت الشّيء ارُمُّه وارِمَه رمّاً ومرمّة إذا أصلحته.