الثانية : الرّضا بالمقدور وهذه درجة الزّهاد.
الثالثة : المحبّة لكلّ ما يفعله المولى بعبده وهذه درجة الصّدّيقين.
وهذا التقسيم للصّبر باعتبار حلول المصائب والبلاء.
وأمّا حكم الصبر فاعلم بأنّه ينقسم إلى فرض ونفل ومكروه وحرام. فالصّبر عن المحظور فرض وهو عن المكروهات نفل ، والصّبر على ما يصيبه من ألم لترك المحظور كما لو قصد شهوة محرّمة وقد بلغ درجة الهيجان ، فيكظم شهوته ويصبر. وكذلك الصّبر على ما يصيبه من مصائب في أهله.
وأمّا الصّبر المكروه فهو صبره على ما كره فعله في الشرع. وعليه فالمعيار هو الشرع وهو المحكّ الحقيقي للصبر. كذا في مجمع السلوك (١). وقيل الصّبر هو ترك الشكوى من ألم البلوى إلى غير الله لا إلى الله ، لأنّ الله تعالى أثنى على أيوب عليهالسلام بالصبر بقوله (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) (٢) مع دعائه في دفع الضّرّ عنه بقوله (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٣) فعلمنا أنّ العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضّرّ عنه لا يقدح في صبره ، ولئلاّ يكون كالمقاومة مع الله تعالى ودعوى التحمّل بمشاقه. قال الله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) (٤) ، فإنّ الرضاء بالقضاء لا يقدح فيه الشكوى إلى الله ولا إلى غيره وإنما يقدح بالرضاء في المقضي ، ونحن ما خوطبنا بالرضاء بالمقضي ، والضّرّ هو المقضي به وهو مقتضى عين العبد سواء رضي به أو لم يرض ، كما قال صلىاللهعليهوسلم (٥) : [من وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه] (٦). كذا في الجرجاني. وفي التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (٧). الصّبر ضربان : أحدهما بدني لتحمّل المشاق بالبدن والثّبات عليه وهو إما بالعقل كتعاطي الأعمال الشّاقة أو بالاحتمال كالصّبر على الضّرب الشديد والألم العظيم. وثانيهما هو الصّبر النّفساني وهو منع النّفس عن مقتضيات الشّهوة ومشتهيات الطّبع.
ثم هذا الضّرب إن كان صبرا عن شهوة البطن والفرج يسمّى عفّة ، وإن كان على احتمال مكروه اختلفت أساميه عند الناس باختلاف المكروه الذي يدلّ عليه الصّبر ، فإن كان في مصيبة اقتصر عليه اسم الصّبر ويضادّه حالة
__________________
(١) يعني در بلاها وشدائد خروج از آن نبيند وگفته اند صبر آنكه بنده را اگر بلا برسد ننالد. ورضاء آنكه بنده را اگر بلا برسد ناخوش نگردد لله ما اعطى ولله ما اخذ فمن انت في البين. وبعضى گويند كه اهل صبر بر سه مقام اند اوّل ترك شكايت واين درجه تائبانست دوم رضاء بمقدور است واين درجه زاهدانست سيوم محبت آنست كه مولى با وى كند واين درجه صديقانست واين انقسام صبريست كه در مصيبت وبلا باشد بدان كه صبر باعتبار حكم منقسم مى شود بفرض ونفل ومكروه وحرام چه صبر از محظور فرض است واز مكروهات نفل وصبر بر رنجه داشت محظور محظور است چنانكه او قصد حرام كند به شهوتى محظور وغيرت او در هيجان آيد آنگاه از اظهار غيرت صبر كند وبر آنچه بر اهل رود صبر كند وصبر مكروه صبرى باشد بر رنجه داشتى كه به جهتى مكروه در شرع بدو رسد پس شرع بايد كه محك صبر باشد كذا في مجمع السلوك.
(٢) ص ٤٤.
(٣) الأنبياء / ٨٣.
(٤) المؤمنون ٧٦.
(٥) صحيح مسلم ، كتاب البر ، باب تحريم الظلم ، حديث ٥٥ ، ٤ / ١٩٩٤.
(٦) [من وجد ... نفسه] (+ م)
(٧) البقرة ١٥٥.