وثمة اختلاف حول حكم الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم. والمختار أنّه فرض مرة واحدة في العمر بدليل أنّ صيغة الأمر التي هي للوجوب لا تقتضي التكرار.
وقال بعضهم : بل هي واجبة. والإكثار منها بلا تحديد وقت ولا تعيين عدد. وذلك لأنّه سبحانه أمر بذلك ولم يعيّن لذلك وقتا ولا عددا. وعليه فيجب علينا ما وسعنا ذلك في أيّ وقت وبأيّ قدر أن نؤدّي ذلك الأمر.
وقال بعضهم : إنّ الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم تجب كلّما ذكر اسمه الشريف. وقال بعضهم : هذا هو المختار.
وقال في المواهب (اللدنية) : وممن يقول بهذا الطحاوي وجماعة من الحنفية وبعض الشافعية والمالكية واستدلّوا بحديث : «رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي وصحّحه الحاكم وإنّ حديث : «شقي عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». أخرجه الطبراني. وعن علي رضياللهعنه قال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي. لأنّ الوعيد على الترك من علامات الوجوب ، وأيضا : إنّ فائدة الأمر بالصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم هو نوع من المكافأة على إحسانه ، وإحسانه مستمر ودائم. إذن فيجب كلما ذكر. كما أنّ الصلاة شكر لله على نعمه ، والنعم الإلهية هي دائمة في كلّ زمان ، فعليه وجبت الصلاة في الأوقات الشريفة.
ولكن جمهور العلماء رجّحوا القول الأول وقالوا : إنّ وجوب الإكثار ووجوب التكرار للصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم لم ينقل عن أحد من الصحابة ، فيكون هذا القول إذن مخترعا. وأمّا من حيث النصّ الذي يعتمد عليه في هذا الباب فهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فهو وإنّ كان بصيغة الأمر إلا أنها لا تقتضي ولا توجب التكرار ، ولا تحتمل أيضا التكرار كما هو مصرّح به في كتب الأصول. وأيضا : لا توجد عبادة في الشرع واجبة بدون تعيين وقتها وعددها ومقدارها ، أضف إلى ذلك أن تكون مستمرة ودائمة مع هذه الجهالة. ولو كانت الصلاة على النبي واجبة في كلّ وقت يذكر فيها الرسول صلىاللهعليهوسلم للزم من ذلك وجوبها على كل مؤذّن وسامع للأذان ومقيم للصلاة وسامع للإقامة. وكذلك على كلّ قارئ للقرآن متى ورد ذكر الرسول صلىاللهعليهوسلم فيها. ويدخل في ضمن ذلك من قال كلمات الشهادتين أو ممن سمعها وكذلك على وجه الخصوص من يدخل في الاسلام الذي لا بدّ له من النطق بالشهادتين وأمثال ذلك ، بينما الواقع المنقول عن السلف والخلف خلاف ذلك. ويؤيّده أنّ الحمد والثناء على الله سبحانه ليس واجبا كلما ذكر اسم الله. فإذن كيف يصير واجبا الصلاة على الرسول صلىاللهعليهوسلم في كلّ وقت يذكر فيه؟
وأجابوا عن تلك الأحاديث المشار إليها بأنّها على سبيل المبالغة والتأكيد ، وهي إنّما ترد بحق من لم يصلّ أبدا على النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم : تجب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم في كلّ مجلس مرة واحدة ولو تكرر ذكر اسمه الشريف.
وقال بعض آخر : هو واجب في الدعاء.
وقال غيرهم : هو واجب في أثناء الصلاة.
وهذا القول منسوب لأبي جعفر محمد الباقر.
وقال آخرون : هو واجب في التشهّد.
وهذا قول الشعبي وإسحاق.
وقال بعضهم : هو واجب في آخر الصلاة قبل السلام ، وهذا قول الشافعي. وقال بعض آخرون : هو واجب حينما تتلى الآية الكريمة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا