وبخاصة بعد افتقاد يوسف أخيه ، فليس أمره ميسورا لهم ، يثني دعوته بتأكيد في ترغيب : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) فلكم إيفاءكم وله إيفاءه ففيه المزيد وكما قالوا بعد : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ). (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) منقطع النظير في إنزال المراجعين وتكريمهم ، فلا خوف إذا من بخس مكيال ولا ركس في مقال أو حال.
وهنا (خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) يعصف بتهمته إياهم بالتجسس عبر الرياح خلافا لما يروى ، وكما في التورات ، ولأن إيفاء الكيل لا يلائم رواية الزيادة لأخيهم وأبيه
وهذه سنة سنية لاجتلاب القلوب واجتذاب العواطف العادية أو المتفلتة ، لترجع إلى طلبة موفي الكيل وخير المنزلين ، مهما كانت العقبات والصعوبات والالتواءات ثم يؤكد تأكيده بتهديد :
(فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ)(٦٠) لا كيل فضلا عن إيفاءه ، ولا إنزال فضلا عن خيره ، كلمة قاطعة ملكية لا مرد لها أبدا ، جامعة بين الترغيب والترهيب!
ولذلك تراهم يتقبلون عبء الإتيان بأخيهم من أبيهم ضرورة المعيشة فإن الضرورات تبيح المحظورات! :
(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ)(٦١).
__________________
ـ يسيرة الى مصر مع رفقة خرجت فلما دخلوا على يوسف وذلك بعد ما ولاه العزيز مصر فعرفهم يوسف ولم يعرفه اخوته لهيبة الملك وعزته فقال لهم هلموا بضاعتكم قبل الرفاق وقال لفتيانه عجلوا لهؤلاء الكيل وأوفوهم فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم ولا تعلموهم بذلك ففعلوا ثم قال لهم يوسف قد بلغني ان لكم اخوان لأبيكم فما فعلا؟ قالوا : اما الكبير منهما فان الذئب اكله واما الصغير فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين وعليه شفيق قال : فاني أحب ان تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتارون (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ ...)