ولئن سئلنا كيف تؤثر العين وأضرابها و (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)؟ فالجواب أن «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» فكما أن سائر الشرور من سائر الأشرار ليس ليمنعها الله تكوينا إلّا لحكمة كما في نار إبراهيم ، كذلك شر العين والحسد أماذا.
ومع كل هذه التفاصيل في تأثير العين والحسد ، فلا عين ولا أثر من عين ولا حسد إلّا حاجة في نفس يعقوب قضاها :
(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٦٨).
دخولهم من حيث أمرهم أبوهم من أبواب متفرقة (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) حيث أحيط بهم في أخيهم من أبيهم ، بل وهكذا دخول فسح المجال ل (حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) وهو لقيا يوسف ولا معدّله ظاهريا إلّا (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) وليس أمرا عاديا إلّا أن يدخل هو من غير الأبواب التي دخلوها ، فله أن يستقبل أخاه ويؤويه إليه دونهم من حيث لا يعلمون ، ثم (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) قد لا تمت بصلة لحاجة في نفس يعقوب إلّا أن يكون لقيا يوسف مما علمه كخلفيّة من خلفيات إرسال ابنه ودخولهم من أبواب متفرقة ، وهنا يتأكد انه لم يرسله لمجرد موثقهم ليأتنّه به.
أما أن دخولهم من أبواب متفرقة مخافة عين أو حسد أو حيطة ، هو ـ فقط ـ (حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) فلا يناسب (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ) وهو كسبب ل «حاجة» وتعليل لها ، ولا أن حاجته قضيت بذلك إذ (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) وليست هذه الحائطة التي تخلفت عن النتيجة حاجة مقضية.
إذا فاللامح من جنبات الآية هو أن دخولهم من أبواب متفرقة قضى حاجة في نفس يعقوب ، حيث سهل أمر المكيدة الصالحة ليوسف في إبقاء أخيه عنده وإلى لقيا والديه معه.