(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أن هذه الأسباب والحياطات في ترتيبها لا يغني عن أصحابها من الله من شيء ف (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وأن دخولهم هكذا قضى حاجة في نفس يعقوب ، وأن يعقوب (لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) من طريقة لقضاء حاجته.
واحتمال آخر هو الآخر ، أن دخولهم كما أمر ما كان يغني إلّا حاجة في نفس يعقوب قضاها دون أن يعلم ، فقد قدم حيطة لرجوع ابنه ما لم يقضه ، بل قضى حاجته الأصيلة دون أن يعلم ، (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ ..) إذا يعني ان أمره أيّا كان كان عن تعليم إلهي مهما لم يعلم أن النتيجة هي حصول أصل الحاجة.
وهذه من الرحمات الخفية الإلهية أنه قد يبتلي عباده الصالحين بما ظاهره العذاب ولكن باطنه من قبله الرحمة ، يطلب أمرا ويدعو له ويقدم للحصول عليه كل إمكانياته ، ويقضي الله له أمرا آخر دونه وهو حاجة أصلية ، وما تطلّبه بالنسبة لها كمقدمة من حيث هو لا يعلمها.
وهنا ندرس ألّا مغني عن الإنسان أيا كان من الله من شيء في الأسباب التي يتوسل بها ، حيث الإذن تكوينا في كل خير أو شر انما هو من الله ف (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) دون أية علة او اسباب ، فهو تمام العلل ومتممها ، كما هو خالقها ومعلّلها ، دون ان يكون هناك جبر كما لا تفويض ، وانما امر بين أمرين.
كما وندرس ان على الإنسان تقديم كافة المحاولات والإمكانيات والحائطات للوصول الى مرامه ومرامه دون استقلالية فيها ولا اتكالية عليها ولا على الله بترك الأسباب ، اللهم إلّا فيما لا حول له ولا قوة فالدعاء من الله والاستدعاء.
وأخيرا ندرس من (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) أن الحائطة في قضاء الحاجة ، لا سيما الملتوية الخطرة ، أن تؤتى من أبواب متفرقة ، فان سدّت باب او أبواب ، فهنالك أبواب أخرى او باب.
وهذه الحائطة الحكيمة تحلّق على كافة المتطلبات الهامة سلبا وإيجابا ، فالذي عنده نقود يخاف عليها ، عليه أن يحافظ عليها في مكانات متفرقة ،