حتى إذا سرقت ام ضاعت من مكان ، تظل البقية الباقية محفوظة.
إذا فهذه الحائطة ضابطة سارية المفعول في كل الحقول ، تبعّد عامليها عن الخسار ، ويقربه إلى اليسار ، كسبب ظاهري ، والله من وراءه حفيظ.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٦٩).
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ، وطبعا من إحدى عشر بابا (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) من أبويه ، أتراه يعجل بإيوائه قبل استقبالهم جميعا وقبل كل شيء ، وفور دخولهم عليه؟ لا شك انّ ذلك أوّل خاطر يساور يوسف عند دخولهم عليه ورؤيته لأخيه بعد الفراق الطويل ، ولا يكاد يصبر لشيء إلا أن يؤويه إليه ، ففي دخولهم عليه من أبواب متفرقة ـ وهو عليهم رقيب ـ مجال له غير مريب أن يؤوي إليه أخاه قبل أن يستقبلهم ، وقد آواه وكلمه غير طائل : (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) تعريفا له بنفسه في تأكيدات ثلاث ، وفرع عليه : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) فاترك كل أسى وبؤسى بما كانوا منذ ذلك الزمن الطويل يفعلون بي وبك وبأبينا ، فقد حظوت الحظوة التي رأيتها في رؤياي وأولها أبونا (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ..).
هنا يطوي السياق كلما حصل مما ليس له أصل في القصص وعبرة لأولي الألباب ، ليواصل ماله أصل ، وهو الدرس الذي يلقيه على أخوته ليعتبروا به إن كانوا من أولي الألباب.
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(٧٠).