دون أبينا ، حيث المقام مقام استنهاض الرحمة الأبوية لهم دونه ، فانه ليس معهم لا في رجعهم ولا في كل ذنبهم (فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) كأوّل قالة لهم بعد السلام والإكرام جبرا للمفاجأة من فقده ، حجة لهم حاضرة علّها تقنع أباهم بفقده ، ولأنه ليس ليقبل هذه التهمة الوقحة لابنه الحبيب يحاولون تثبيت دعواهم بما حاولوا.
أب مفجوع بابنه يوسف من قبل ، يفضى إليه بنبإ فظيع لابنه الثاني ، وأفظع من فقده ، فرية السرقة ، فليواجهوه في ذلك المشهد الرعيب الرهيب بحجة قيّمة تعذرهم ، وتسد كل منافذ ظنة الخيانة عنهم وقد فعلوا :
(وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) كأنه جواب عن أسؤلة مطوية كالتالية : لماذا شهدتم بحكم السارق في شرعتنا ليجعلوه مسكة في إمساكه ، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا؟ أو شهدتم بسرقته لديهم فأمسكوا ولدي أنا إمساكا عنكم؟ والجواب : (وَما شَهِدْنا) بحكم شرعتنا (إِلَّا بِما عَلِمْنا) منه فلا محظور ، وإلا بما علمنا أنه لم يسرق ولذلك شهدنا ، و (إِلَّا بِما عَلِمْنا) انه سرق لوجود الصواع في رحله ، (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) ما كنا نحفظ غيب أنه سارق حتى لا نأخذه معنا ، او لا نشهد بحكم السارق عندنا حفاظا عليه ، ولا للغيب المتخلف عن علمنا بانه سرق لو أنه لم يسرق إذ لا نؤمر إلّا بما علمنا دون الغيب الذي جهلنا ، فقد كانت هذه الشهادات الثلاث (بِما عَلِمْنا) شهادة بالحكم ، وشهادة بالسرقة عندهم وأخرى عندك ، والعلم عاذر في الشهادات مهما تخلف عن الواقع إذ (ما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ).
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) عن مسألتنا (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) وهم كلهم يشهدون لنا : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) حتما فيما نقول ونشهد.
ولكن ذلك شهادة بحكم الشرعة بما علموا ، فكيف يشهدون بالسرقة