(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(٨٣).
«قال» ليس كما تزعمون (ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) فلا علم هناك (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) وزيّنته فأصبح علما عن تسويل فهو ظنّة رديئة (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وهي كلمته الأولى يوم فقد يوسف ، ولكنه هنا يضيف إليها وطيد الأمل : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) والجميع هم الأخوان وكبيرهم الذي ما برح الأرض (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) مما يدل على أنه بعد راج في حياة يوسف و (الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ياتي على لسانه أوّل ما اوّل رؤياه : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ... إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وفيما هنا ثاني مرة ، ثم يوسف هو الذي يثلّثهما عند اللقاء : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ... إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(١٠٠) وذلك مما يوحي بتأكد الرجاء وأن المرجو قضية علمه تعالى وحكمته.
أتراه يرجوه بما أوحي إليه؟ علّه نعم ، وعلّه لا ، حيث الرجاء بالله والأمل الوطيد في الله شعور يتجلّى دوما في قلوب الصفوة المختارة ، لا سيما وهو الذي أوّل رؤياه : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) ولكنه أمل راجح دون يقين ، فعلّه يجتبيه دون علمه بمكانه ، وعلّه ميت الآن بعد تحقق رؤياه ، ولكن العلّات على علّاتها ليست لتزلزل من صرح رجاءه ، وقد يأتي نبأ
__________________
ـ يوسف وقصوا عليه القصص فسر بذلك وسار باهله جميعا الى مصر وهم جميعا سبعون نسمة ووردوا ارض جالسان من مصر وركب يوسف الى هناك يستقبل أباه ولقيه قادما فتعانقا وبكى طويلا ثم أنزله وبنيه وأقرهم هناك وأكرمهم فرعون إكراما بالغا وآمنهم وأعطاهم ضيعة في أفضل بقاع مصر وعالهم يوسف ما دامت السنون المجدبة وعاش يعقوب في ارض مصر بعد لقاء يوسف سبع عشرة سنة.
أقول وهذا كله ملخص ما فصله التورات يقارن بما في القرآن ليرى البون البعيد بين الكتابين.