علمه بحياته بعد حين في آيته : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ..).
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)(٨٤).
هنا يختص يوسف بذكراه إذ لا يتأكد بعد من حياته أو أن يأتيه ، ولكن أخاه وكبيرهم بعد موجودون بمكان معلوم ، ثم ويوسف هو القمة العالية الغالية في حبّه ، وما فاصل الزمان البعيد بالذي ينسيه ، لا سيما والحادث الجلل الجديد يذكر جلل القديم.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) اعتراضا عليهم وإعراضا عنهم ، منقطعا إلى الله (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) إذ ما هوّنت من مصابه طائل السنون ، والنكبة الجديدة في أخيه ثم كبيرهم تجدده أكثر مما كان طيلة السنين ، وذلك غاية الأسف والأسى على أعز الأبناء وأغرهم الذي تتلوه غائلة فوق غائلة ، فهنا (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) حيث أذهب الحزن بسواده فانظّم في سائر بياضه ، ولكنه على حزنه الذي بلغ به إلى العمى لم يكن ليشكوا حزنه إلى أحد إلّا لله (فَهُوَ كَظِيمٌ) غيظه وحزنه عمن سوى الله ، هضيم عبء مصابه لله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) ممن أحزنني وخانني لا من الله.
أترى أن الحزن ، وعلى أثره البالغ منه : ابيضاض العين ، ذلك لا يلائم الصبر الجميل؟ إنه لو كان شكوى من الله لخرج عن الإيمان بالله ، فضلا عن الصبر الجميل ، ولكنه إذا كان شكوى إلى الله من بأس الظالمين ، فهو قضية الإيمان ، وصبر جميل ، حيث لم تخرجه عن الرجاء بالله والأمل في رحمة الله.