ما يجمع منهم كأخريات البضاعات المتبقّية لديهم حيث قلّت في مس الضر ، ورثّت ببأسه ، فلم تحصل في هذه المزجاة إلّا قلة في كمّ وقلة في كيف ، فهم حين لم يكونوا واثقين ان يعطوا كيلا ببضاعة مغلاة لسابقهم السوء ، يتطلبّون إليه أن يوفي لهم الكيل ببضاعة مزجاة ، ثم ويتصدق عليهم ، حيث لمسوا فيه سابغ العطف من إيفاء كيل وإنزال خير ، حين كانت بضاعتهم وافية ، فكيف إذا كانت تافهة مزجاة ، فعلّه ـ إذا ـ يرحمهم ثم ويتصدق عليهم.
هنا ـ وقد بلغ بهم أمرهم الإمر إلى ذلك الحد الحادّ من استرحام في تضيّق وانكسار وانحسار ـ لم يملك يوسف نفسه أن يمضي في تمثيل دور العزيز ، فقد انتهت الدروس واندرست عليهم معالم بيت النبوة في ذلك الشخوص كلّ دروس ، وحان حين المفاجأة العظمى التي لا تخطر لهم ببال .. فهنا يتلمع في لمحة لائحة كأنه هو يوسف :
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ)(٨٩).
يرنّ في آذانهم رنّة تجرسهم في أعماقهم ، تذكرة لها نبراتها على علاتها في يوسف وأخيه إذ هم جاهلون ، فهل إنه هو يوسف حيث يخبرنا بما فعلنا بيوسف وأخيه؟ وهو في سمت العزيز وأبهته! وتراهم فعلوا بيوسف وأخيه ما فعلوه وهم جاهلون يوسف وأخاه ، ام جاهلون نكر ما فعلوه؟ فهم إذا معذورون؟ كلّا ، حيث الجهل هنا التجاهل على عمد ، ف «كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه» (١) و (هَلْ عَلِمْتُمْ) تنديد بهم فيما جهلوا ثم الآن علموا بما
__________________
(١) مجمع البيان وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال : كل ذنب ... فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لإخوته «هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ ـ