الربوبية المطلقة على كل شيء ، ولأن السلطة الفعلية ليست إلّا بعد ملك بالفعل ، فلا عرش لله قبل خلقه إذ «كان الله ولم يكن معه شيء» ثم خلق المادة الأولية التي خلق منها كل شيء ف (كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) قبل أن يخلق منه الأرض والسماء : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (١١ : ٧) ومن ثم كان عرشه على السماوات والأرض : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (٢٥ : ٥٩).
فاستواء الرحمن على العرش ليس إلّا لبسط الرحمة بباسط يديه ، حيث الرحمن رحمة عاملة شاملة كل شيء.
وهنا تسخير الشمس والقمر نموذج من تسخير الأنجم ، وتدبير الأمر يعم أمرها وكل خلق تكوينا وتشريعا ، وتفصيل الآيات يعم آيات التكوين كعامة الكون ، وخاصة الرسل فإنهم آياته العظمى ، وآيات التشريع كعامة ، وخاصة الشرعة القرآنية ، فكما له الخلق وحده ، كذلك له الأمر وحده ، لا خالق ولا آمر معه : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٧ : ٥٤) فالخلق هو خلق الكون كله المعبر عنه بالسماوات والأرض ، والأمر هو عرش ملكه في ربوبيته المطلقة علما وتدبيرا ، وتفصيلا وتقديرا أماهيه؟ :
وترى ما هي الصلة بين لقاء الرب وما قبله من خلق وتدبير؟ إن في رفع السماوات بغير عمد ترونها واستوائه على العرش وتسخيره ما تحت العرش وتدبير الأمر وتفصيل الآيات ، إن في ذلك كله آية لوجود الله ووحدته وعلمه وقدرته وعدله وحكمته ، وهي كلها ذريعة لمعرفته وهي