ولا يتصور حتى يغيب عنه كما يغيب هو عما سواه ، فانه «المتعال» عن أن يحيط به شيء او يدانيه او يساميه ، تعاليا في كافة ميّزات الربوبية ، فلا كبير إلّا هو ولا متعالي إلّا هو ، فلا يعلم الغيب والشهادة على سواء إلّا هو ، وكل شيء سواه جاهل بجنبه ، صغير متدان ، خاذل مهان.
فحين يقال عنه «الكبير» فهو الكبر في ذاته وذاتياته وقياسا إلى مخلوقاته (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٢ : ٦٢) وحين يقال عنه «اكبر» فلا يعني إلّا انه أكبر من ان يوصف او يحاط به علما او قدرة او يساوى ويسامى في كبريائه ، لا أنه اكبر من كل شيء ، إذ لا كبير أمام كبريائه حتى يكون هو الأكبر منه ، مشاركا له في أصل كبره ، ولذلك لم يأت في القرآن عنه الأكبر ، إلّا الكبير المتعال والعلي الكبير ، ليكون حصر الكبر في الله وحسره عن غير الله ، واضحا لا يريبه شك ، إذا فلأنه الكبير المطلق فهو المتعال الأكبر عن أن يحاط به.
(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ)(١٠).
إن مجاهيل السرائر والأسرار ، ومجاهير السوارب والآثار ، وكل شاردة وواردة آناء الليل وأطراف النهار ، كل هذه جاهرة ظاهرة أمام (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ).
ومن ذلك غيب القول ممن أسر به وشهادته ممن جهر به. فإنهما بالنسبة له جهار ، كمن هو مستخف بالليل في بعدي غيب الليل بظلامه وتغيّبه واستخفائه في غيبه ، ومن هو سارب : ذاهب في صدور وانحدار «بالنهار» ، شهادة في بعدي ضوء النهار وانجلاءه ذاهبا أمام الناظرين.
فسواء أكان الإنسان مستخفا في الظلمات أم ظاهرا في الطرقات فالله يعلمه على سواء ، كما وأن قدرته بكل شيء على سواء ، ودنوه من خلقه