يلحّقه ب (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) انصرافا إلى أشغالكم ، لا تقصيرا في الحفاظ عليه.
ولكنهم لم يرضوا ب (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) على أية حال ، حيث يمس من كرامة العصبة في الإخوة ، ورحمة الأخوّة ، فرموا رميتهم الأخيرة : (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(١٤).
فالغفلة عن الأخ الصغير (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) هذه خسارة في الأخوّة بين الإخوة العصبة ، فنحن ـ إذا ـ خاسرون كل شيء ، فلا نصلح لكبيرة ولا صغيرة ، فلا نصلح لحياة كريمة ، فإذا نغفل عن أخ لنا كريم وهو أنفس من أنفسنا ، فقد خسرنا ـ وبأحرى ـ أنفسنا ونفائسنا ، فكيف ندير ـ إذا ـ شؤوننا وشؤون العائلة.
وذلك في الحق تهديد أكيد لتهدّم العائلة إن كان أبونا يخاف أن يأكله الذئب ونحن غافلون!
فسواء ألّا يأمننا عليه خيانة منّا ونكاية ، أم عجزا في حفظه ، ونحن عصبة ، وذلك أشد علينا وأنكى! (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) : أسد الفلوات والغابات ، شجعان في كل المجالات ، فكيف (أَكَلَهُ الذِّئْبُ) ونحن حضور وكلّنا عليه عيون! أم كيف نغفل عنه وهو أخونا وأمانة أبينا! وامنية عائلتنا!
وهكذا يستسلم الوالد الرحيم الحكيم بعد ذلك الإحراج لإخراجه عن محضنه (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ).
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٥).
وبالمآل ذهبوا به «وأجمعوا» بعد شتات آرائهم (أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) كما ارتآه قائل منهم وهو كبيرهم ، وكما تؤيده تنديده بهم في قصة