الصواع (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) وإنما ارتأى ان يجعلوه في غيابت الجب حيطة عليه ، ولأنهم كانوا مصممين على أمرهم الإمر وما كان له بينهم أمر إلا ما أمر! (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) وهو في الغيابة (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) الإمر بشأنك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بأمرهم ، وهم لا يشعرون ماذا يفعلون ، وتنبئهم وهم لا يشعرون أنك لأنت يوسف : (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ)(٨٩)؟ وهم لا يشعرون بذلك الوحي : ثالوث اللّاشعور للإخوة الحاقدين على يوسف الصديق (١).
والإجماع هو العزم الحاصل عن شور ، فالآن وقد ذهبوا به لتنفيذ المؤامرة النكراء ، وقد جعلوه في غيابت الجب ، وهيمن عليه كل بائسة يائسة ، الآن يأتيه ـ لأوّل مرّة ـ الوحي الحبيب : أنه ناج ، ثم ينبئهم بأمرهم وهم لا يشعرون ، وحي يطمئنه عن كل نائبة ومحنة ، إلى كل راحة ونعمة ، وعلى حدّ المروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لما ألقي يوسف في الجب أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال يا غلام من ألقاك في هذا الجب؟ قال : إخوتي ، قال : ولم؟ قال : لمودة أبي إياي حسدوني ، قال : أتريد الخروج من هاهنا؟ قال : ذاك الى إله يعقوب ، قال : قل اللهم اني اسألك باسمك المخزون المكنون يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام أن تغفر لي ذنبي وترحمني وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، وأن ترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا
__________________
(١) على الاول «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» حال لامرهم فلا يشعرون أمرهم ، وعلى الثاني حال الإنباء فلا يشعرونك ، وعلى الثالث حال لأوحينا ، والكل مقصود صالح لأن يعني ادبيا ومعنويا ، وقد أخرج الثالث في الدر المنثور عن مجاهد وقتادة وابن عباس والثاني عن ابن جريح ورواه القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية يقول : لا يشعرون انك أنت يوسف أتاه جبرئيل فأخبره بذلك