هؤلاء الإخوة احتالوا من قبل كل الحيل لأن يذهبوا به ، والآن هم في احتيالات لتغشية أمرهم الإمر على أبيهم ، وأنّى ينجو الكاذب ويفلح ، ويكاد المريب أن يقول خذوني ، فقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذب ، متسرعين في اصطناعه كما تسرعوا في استلاب يوسف من أبيه ، فالتقاطهم لحكاية الذئب المكشوفة دليل على التسرّع ، فقد كان أبوهم بالأمس يحذّرهم منها وهم ينفون ، ويكادون عليه يسطون ويتهكمون ، إذا فكيف يتركون يوسف وهم يستبقون؟.
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) فرجوعهم عشاء حيلة أولى ، ولئلا يتطلب منهم أن يتحسسوا عنه فورهم ، حيث العشاء ظلام لا يبين ، وخطر أخطر من ذئب النهار ، ومن ثم «يبكون» حيلة أخرى يتسترون وراءها ، تبرئة لهم عما يتهمون ، حيث القاتل لا يبكي على مقتوله وهم «يبكون»!
(قالُوا يا أَبانا) نداء تجمعهم ويوسف في أخوّتهم من أب واحد ، وتستجيش رحمة الأبوة عليهم (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) في عدو ، ولم يكن أخونا الطفل ليسطع سباقا ، ولا معنا رفاقا ، ثم من ينظر متاعنا (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)!
ولكن ما لهم والاستباق وخطر الذئب حادق في البرية زعمهم ، وهم أكدّوا لأبيهم من قبل أكيد الحفاظ عليه ، لكيلا يأكله الذئب ، ثم ويوسف الطفل الذي لا يسطع مصاحبتهم في سباقهم كيف يسطع مقاتلة السارق وقد أوّل له رؤياه من قبل (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ..) فيكف يصدقهم أنّه أكله الذئب؟ وهذه كلها آيات بينات لكذبهم المختلق الجاهل ، دونما تفكير سدا لثغراته ، وصدا عن تهماته.
ولكنهم لكي يبعّدوا كذبهم ويقرّبوا صدقهم ، يتظاهرون بمظهر