المظلومين المهضومين في قولة ماكرة : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) تؤمن لنا قولنا (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) على فرض المحال ، و «لو» هنا ، المحيلة صدقهم في تنازلهم ، لها موقعها في تشكيك يعقوب لأقل تقدير ، فبطبيعة الحال أنت تكذبنا حيث الشغف البالغ في حب يوسف يمنعك عن تصديقنا (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) وثبت لديك صدقنا ، كيف وأنت متشكك فينا ، أم وتتهمنا أننا كاذبون.
ولكي يثبتوا صدقهم (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ..) لائح كذبه ، لاختلافه عن دم الإنسان ، وليس في نفس الدم أثر الافتراس ، بل هو نزح ، والقميص السليم غير الممزق شاهد ثالث أنه دم كذب فهم تورّطوا بفعلة واحدة في ثالوث الكذب.
صحيح أن الدم لا يوصف بالكذب ، ولكنه كان مكذوبا فيه لحد كأنه تجسيد للكذب ، حيث الدعوى التي علّقت به كانت في غاية الكذب ، وعلى حدّ المروي عن يعقوب «اللهم لقد كان ذئبا رفيقا حين لم يشق القميص» (١) و «يا يوسف لقد أكلك ذئب رحيم ، أكل لحمك ولم يشق قميصك» (٢) فما أرحمه بقميصه ، وأشقاه به!
ولماذا (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ) دون «بقميصه»؟ لأن (بِدَمٍ كَذِبٍ) متعلق ب «جاؤا» فالترتيب المعنوي «وجاؤا بدم كذب على قميصه» و «على» هنا تلمح ان الدم كان بظاهر القميص دون باطنه ، مما يؤكد كذبهم ، حيث الافتراس يدمي باطن القميص قبل ظاهره ، ولا يبقي على قميصه إلّا ممزقا مخترقا.
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤١٧ في تفسير العياشي عن أبي جميلة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما اوتي بقميص يوسف الى يعقوب فقال : اللهم ..
(٢) المصدر في المجمع وروى انه القى ثوبه على وجهه وقال : يا يوسف ...