استلابا عنه بتردد والتماس ، ف (راوَدْتُهُ .. عَنْ نَفْسِهِ) استلاب نفسه عنه حتى لا يملكها وهي تملكها فتفعل ما تشاء.
فقد احتالت له مرارا وتكرارا في قولة وفعلة ، مراودة إياه عن نفسه رغم تمنّعه وتمعّنه فيما تهوى ، فلم تنجح لما تهوى فان نفسه كانت مربوطة متعلقة بعصمة إلهية مطمئنة بالله ، راضية عن الله مرضية عند الله. فكيف تراود عنه؟ اللهم إلّا ألّا يرى برهان ربه وقد رأى!
ولكي تسد أمامه كل ثغرات الفرار ، وكافة الأعذار (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) وعلّها أبواب الفرار إلى باب الدار حيث (أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) دون الأبواب ، أم وإذا كانت لمخرج البيت أبواب ، فلا يكمل الهدف ـ فقط ـ بإغلاقها ما دامت أبواب الأعذار باقية للفرار ، إذا ف (غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) تعم كافة الأبواب ، التي يدخل منها ويخرج عنها ، فلم يبق باب لعذره إلّا مغلقة ، والشهوة في الشاب والشابة حاضرة ، والموانع في ميزانها زائلة ، ولكنها ـ بعد ـ لم تنجح في بغيتها فرأت فيه تأبيّا وصمودا ، فعندئذ صرخت عليه (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) والأرجح أنها من أسماء الصوت العجاب وقد تعني هاه هاه! ويلك ويلاك! من ذلك الصمود كالحجر الصّلد ، والجبل الشامخ الصلب ، لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، لا يتحسس لها ولا يميل إليها ولا يكلّمها في كل هذه الطائلات الغائلات ، إلّا كلمة تكلمها ، وتفتح كافة الأبواب التي غلقّتها :
(قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(٢٣).
إنه في هذه المرحلة التائهة الحساسة لا يسايرها في معاذ ليقول : معاذ العزيز حيث أحسن مثواي ، فما العزيز بعزيز أمام ربه العزيز ، فإنما (مَعاذَ اللهِ) فقط لا سواه ، مهما اعترفت به العزيزة أم أنكرت ، والبيت بيت الشرك والشهوة ، جوّ لا منفذ فيه لتوحيد الله ، ولكن يوسف هو الآن كما