فأخيرا تبين في مشهد العزيز والعزيزة بشاهد من أهلها أنها هي الخائنة ، وهنا تبدو صورة من الطبقة الراقية المترفة في الجاهلية قبل آلاف من السنين ـ كما هي اليوم أرقى ـ تبدو رخاوة في مواجهة الفضائح الجنسية مع تميّل إلى كتمان التميّع عن المجتمع ، وأنّى منها الكتمان وقد تسرب الخبر وشارع في سراع الى نساء في المدينة!.
وترى كيف (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ومع (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٤ : ٧٦)؟ إنه عظيم وجاه كيد الرجال ، ولكنهما معا ضعيفان بجانب كيد الشيطان ، ثم العظيم عند الناس أضعف من الضعيف عند الله ، ثم وعظم الكيد منهن من قالة العزيز ، ولا يرد عليه القرآن لعظمه نسبة الى الرجال ، لا على أية حال!
(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ)(٢٩).
هل الحاكم هنا بعد الشهادة هو الشاهد؟ (وَشَهِدَ شاهِدٌ) دون حاكم لا يناسبه ، ثم الحكم في مثل هذا الموقف ليس إلّا عزيزه الكبير ، النافذ قوله في فتاه والعزيزة! فهو إذا ليس إلّا العزيز.
يبدأ بيوسف المنتصر المحكوم له في المشهد كملتمس منه ، ألّا يذيع ويشيع الكارثة : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) الذي حصل ، ولكنه لا يكفي كاتما ما دامت العزيزة أسيرة سعار الشهوة ، وقد تتكرر منها المراودة فتفشوا ، أم تتسابق على لسانها في فلتاتها ، ام تظهر على وجهها في لفتاتها فتشيع ، فلذلك يثني الوصية بعده إليها (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) وهل كانت مؤمنة بالله لتستغفره عن ذنب ، ام كان هو مؤمنا ليأمرها به؟ وطبيعة البلاط وجّوه التميع واللّامبالاة حتى في المسلمين فضلا عن بلاط الفراعنة المشركين!.