لو لم يخرج لأخرجناه معها وأنّى له التأبّي عن خروجه في هذه المعركة الصاخبة ، وهلّا خافت عليه منهن أن يفتنهن كما هي ، فبشاركنه فيما تشتهي؟ لأنها مولاه وقد تملكه ، فلا يدعه يهوي الى هوّاتهن ، وهي تعلم أنه لا يصبو إليهن وقد عصم نفسه منها وهي أجملهن ، ثم لا تسطع أن تقضي على كيدهن إلّا أن يرينه كما رأت فيغيرن من كيدهن اعترافا بحقها فيه وقد فعلت.
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(٣١).
ولماذا لا يكبرنه وقد أعطي حسنا منقطع النظير وكما يروى عن البشير النذير «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن» (١)!
«أكبرنه» عما كن يزعمن أنه ـ فقط ـ فتاها المملوك ، أم وأي فتى جميل ، ولكنه منقطع النظير في قبيل البشر ، لذلك (أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) لدهشة مفاجئة غير منتظرة ، ولقد كان ذلك الإكبار لحدّ أصبحن في أنفسهن صاغرات مائرات لحدّ فقدن بالمرة شعورهن وإحساسهن ، فجذبن أعينهن إليه عما يقطعن من أكل وفاكهة ، فقطعن أيديهن ، فإن كانت العزيزة شغفها حبا لحد تلك المراودة في مدة طائلة فهن قد أصبحن أشغف
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١٧ ـ أخرج احمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن انس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ... وفي المجمع عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثانية ، رأيت رجلا صورته صورة القمر ليلة البدر قلت يا جبرئيل من هذا! قال : هذا أخوك يوسف.