وأما أنبادقليس ومن جرى مجراه فإنهم جعلوا الجزئيات تكون بالاتفاق ، بل خلطوا الاتفاق بالضرورة (١) فجعلوا حصول المادة بالاتفاق وتصورها بصورتها بالضرورة لا لغاية. مثلا قالوا : إن الثنايا لم تستحد للقطع بل اتفق أن حصلت هناك مادة لا تقبل إلا هذه الصورة ، فاستحدت بالضرورة ، وقد أخلدوا فى هذا الباب إلى حجج واهية ، وقالوا : كيف تكون الطبيعة تفعل لأجل شيء وليس لها روية ، ولو كانت الطبيعة تفعل لأجل شيء (٢) لما كانت التشويهات (٣) والزوائد والموت فى الطبيعة البتة ، فإن هذه الأحوال ليست بقصد ، ولكن يتفق أن تكون المادة بحالة (٤) تتبعها هذه الأحوال. فكذلك الحكم فى سائر الأمور الطبيعية التي اتفقت أن كانت على وجه يتضمن المصلحة ، فلم ينسب إلى الاتفاق ، وإلى ضرورة المادة ، بل ظن أنها إنما (٥) تصدر عن فاعل يفعل لأجل شيء. ولو كان كذلك لما كان إلا أبدا ودائما (٦) لا يختلف. وهذا كالمطر الذي يعلم يقينا (٧) أنه كائن لضرورة المادة ، لأن الشمس إذا بخرت فخلص البخار إلى الجو البارد برد فصار ماء ثقيلا ، فنزل ضرورة فاتفق أن يقع (٨) فى مصالح ، فظن أن الأمطار مقصودة فى الطبيعة لتلك المصالح. قالوا (٩) : ولم يلتفت إلى إفسادها للبيادر (١٠). وقالوا (١١) : وقد عرض (١٢) فى هذا الباب أمر آخر وهو النظام الموجود فى تكون الأمور الطبيعية وسلوكها إلى ما توجبه الضرورة التي فى المواد. وليس ذلك مما يجب أن يغتر به (١٣) ، فإنه وإن سلم أن لنشو (١٤) والتكون نظاما فإن للرجوع والسلوك إلى الفساد نظاما ليس دون ذلك النظام (١٥) ، وهو نظام الذبول من أوله إلى آخره بعكس من نظام النشو. فكان (١٦) يجب أيضا أن يظن أن (١٧) الذبول لأجل شيء هو الموت ، ثم إن كانت الطبيعة تفعل لأجل شيء فالسؤال (١٨) ثابت فى ذلك الشيء نفسه وأنه لم فعل فى الطبيعة على ما هو عليه وتستمر المطالبة إلى غير النهاية.
قالوا : وكيف تكون الطبيعة فاعلة لأجل شيء ، والطبيعة الواحدة يختلف أفعالها لاختلاف المواد ، كالحرارة تحل شيئا كالشمع (١٩) ، وتعقد شيئا كالبيض والملح ، ومن العجائب أن تكون الحرارة تفعل الإحراق لأجل شيء ، بل إنما يلزمها ذلك بالضرورة ، لأن المادة بحال يجب فيها عند مماسة الحار الاحتراق ، فكذلك (٢٠) حكم سائر القوى الطبيعية (٢١).
__________________
(١) بالضرورة : + وكذلك الأضراس فى أنها عريضة لا للطحن ط.
(٢) تفعل لأجل شيء : ساقطة من م.
(٣) التشويهات : التشويات م.
(٤) بحالة : محالة م. (٥) إنما : ساقطة من م.
(٦) ودائما : دائما سا ، م (٧) يقينا : بيننا سا.
(٨) أن يقع : أو يقع سا (٩) قالوا : وقالوا سا ، ط ، م.
(١٠) للبيادر : للتبادر م (١١) وقالوا : قالوا سا ، ط ، م
(١٢) عرض : عن سا. (١٣) به : ساقطة من م
(١٤) للنشو : المنشو سا. (١٥) النظام : ساقطة من سا ، ط ، م.
(١٦) فكان : وكان سا ، ط (١٧) أن (الثانية) : ساقطة من م.
(١٨) فالسؤال : بالسؤال سا.
(١٩) كالشمع : كالشمس م.
(٢٠) فكذلك : وكذلك د
(٢١) القوى الطبيعية : قوى الطبيعة ط.