هنا خلق اوّل بجزئيه من طين ثم نطفة فعلقة فمضغة فعظام مجردة ، فكسونا العظام لحما وفي كل هذه المراحل هو في خلقه الأوّل ، مهما كان روحه باجزاءه الأولية مندغما في جسمه ولمّا يظهر ويتبلور بآثاره ، فهناك في مراحله الأربع قبل كمال البدن ، ليس البدن والروح إلا بالقوة ومع اكتمال البدن يصبح البدن بالفعل والروح فيه بالقوة القريبة الى الفعل ، و (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) إظهار للروح الى الفعلية! (خَلْقاً آخَرَ) ليس هو الأول وإلّا فلما ذا الإنشاء بعد خلقه ، ولماذا الآخر بعد وجود الاول!
هذا الخلق الآخر ليس هو الاول بعينه ، ولكنه من الاول تبديلا له بعضا لا كلا الى خلق آخر ، حيث البدن الظاهر هو البدن ، فليكن الآخر شيئا منه غير مرئي ، كان كالأوّل ثم تبدّل بذلك الإنشاء سلالة لطيفة منه غير مرئية ، وكما انه في جسمه سلالة السلالات ، ترى وما هو الدليل أنه منه رغم أنه آخر؟.
(ثُمَّ أَنْشَأْنا) تصريحة بإنشاء مركب ، فلم يقل «ثم انشأنا له خلقا آخر» حتى يكون الروح خلقا آخر يختلف عن البدن تماما ، بانفصال مطلق دون اتصال ذاتي ام ولادي ، حتى يحتمل كونه مجردا عن مادة!
ولا أن (أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) بمعنى خلق البدن كما هو مرة اخرى تحصيلا للحاصل! وإنما إنشاء للبدن بعد تمامه ، خلقا آخر منه بعضا لا كلا ، فالخلق الآخر الروح او المركب منه والجسم ، منشأ بعد كمال البدن ، انتشاء كسلالة خاصة من البدن ، حتى يصح القول (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) ، فكما البدن هو سلالة السلالات ، كذلك الروح سلالة لطيفة من أجزاء بدنية لها صلاحية الإنشاء روحا دون سواها ، ولعله يعنيه الحديث «انه من الملكوت» : حقيقة غير مرئية وسلالة خفية من الجسم فهو من الملك والروح من الملكوت! حيث الملكوت هي حقيقة الملك ، ومنها ما