(وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا)(١٤).
إن السيد المسيح كما يأتي قد افتري عليه بخلاف البرّ لوالدته وأنه كان جبارا عليها عصيا ، فدافع عنه القرآن هنا ، ولان يحيى الرسول كان مبشرا بالمسيح ، وكانت مهمته الرسالية ذلك التبشير : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣ : ٣٩).
لذلك يذود عنه ايضا تلك الوصمة كإعداد لأصله المبشّر به ، فإذا كان يحيى المبشر بالمسيح برا بوالديه فأحرى بالمسيح كونه برا بوالدته! (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) : مستعليا مستكبرا يحمل غيره على ما أراد ولا يتحمل عن غيره ما يراد «عصيا» : كثير العصيان.
هذه جوامع أحوال يحيى في نفسه وما آتاه ربه ، وأمام الخالق والمخلوق ، زوايا ثلاث من حياته منذ ميلاده حتى موته : حاكما حكيما حنونا زكيا تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا ، فهو جملة وتفصيلا سلام في سلام الى سلام.
(وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(١٥)
صحيح أن (سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (٣٧ : ١٨١) جملة وسلام عليهم تفصيلا ، إلّا أنّ يحيى وأحرى منه عيسى قيل فيهما أقاويل تمس من كرامة الرسالة ولادة وموتا وبعثا لذلك نجد مثلث السلام لهما في سائر القرآن بين سائر المرسلين ، هذا ليحيى ومن ثم المسيح (عليه السلام) : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (٣٣).
ف «ان أوحش ما يكون في هذا الخلق في ثلاثة مواطن ، يوم يولد ويخرج من بطن امه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله عز وجل على يحيى في هذه