لردف بهما في (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ام لو كان المرجوم أحد الأولين فقط لاختص هو بالرجم دون الآخر ، وهذه من بلاغة الكلام القمة ولباقته ان يذكر القول الحق بين الأقاويل دونما تصريح به لكي يحث على التفكير ، ويبتعد عن التنكير النكير ، حيث الاصطدام بين القائلين والاحتدام بين الأقوال لا يخلي اي مجال لقول صراح ، اللهم إلّا تلميحة هي ابلغ من تصريحة.
والرجم بالغيب أصله الرمي بالحجارة الى مرمى مجهول لا يدري الرامي أيصيب هدفه ام يخطأ ، وقد لا يكون له هدف ، ثم استعير لكل قذف بالظن والحسبان ، والقول بغير علم ، ومن عادة العرب ان تسمي القائل من دون علم راجما وقاذفا ، كما تسمي السابّ الشاتم راميا راجما ، ويقال : هذا الأمر غيب مرجّم ، اي : يرميه الناس بظنونهم ويقدرونه بحسبانهم.
فالراجم بالغيب كالراجم الذي لا يعلم مواقع أحجاره المرمية اين وقعت ، فتارة يمنة واخرى يسرة ، وهنا (رَجْماً بِالْغَيْبِ) يرجم «ثلاثة وخمسة» على ما في القولين من سوء
التعبير (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ .. سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) كأن كلبهم منهم ، فالأربعة او الستة كلهم كلاب ، ام كلهم أو أدم ، دونما عطف لكلبهم عليهم ، يدل على المغايرة ، كما يدل على ردفه بهم ، ولكنما القول الثالث (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فيه رعاية الأدب بواو العطف ، فردف الكلب بهم دون عطف يجعل جملة الكلب صفة لهم او حالا منهم ف «رابعهم كلبهم وسادسهم» وصفان ل «ثلاثة وخمسة» او حالان ، وفيه إزراء بساحة فتية الايمان ومس من كرامتهم ، والعطف يخرجها عن وصفهم او حالهم حيث يفيد الردف بين متغايرين متوافقين ، تغايرا في الكيان وتوافقا في المكان ، فكلبهم منهم حيث ردفهم يرصدهم ، وليس منهم فهم فتية آمنوا بربهم وهو كلبهم! فحيث وقعت الواو انقطعت العدة وثبت انهم سبعة وثامنهم كلبهم بالقطع