ك (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٣٨ : ٤٨) دون أصبرناه.
ثم الإغفال لا يختص المسيّر ، ان يغفل الله قلبا دونما اختيار منه وتقصير ، بل انه غفلة معمّدة ثم إقفال ومن ثم إغفال فامتناعا للذكر بتعمد واختيار : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (... وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٦ : ١٠٨).
فالمتغافلون الغافلون الدائبون في غفلتهم وغفوتهم (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (٢١ : ١) أولئك هم الغافلون الذين غفلوا عامدين فأغفل الله قلوبهم عن ذكره طبعا عليها وختما.
ثم ترى إن اغفاله لقلوبهم هو تركه لهداها أن (يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧ : ١٨٦) وفي غيهم ووعيهم يترددون ، ف (أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) : تركناه غفلا من السمات والكتابات الايمانية ، (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وهم خلو القلوب منها ، وكما يقال : اغفل البعير : تركه بلا سمة يعرف بها على عادة العرب في إقامة السمات مقام العلامات ، اللهم إلا الطبع والختم (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ)؟ ومجرد الترك وإن كان ينتج بقاء الغفلة ولكنه ليس إغفالا ، فانه إيجاد للغفلة بعد الذكر ، ام غفلة على غفلة! ـ
ام إنه مزيد في غفلة معمدة معاندة أن تستمر فتزيد جزاء وفاقا في الدنيا وفي الآخرة عذاب اليم : ان الله اقفل قلوبهم عن الذكرى فأغفلها استمرارا فيها فمزيدا عليها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) بعد الإغفال كما قبله وأكثر دونما تفكير في هداه (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) قبل الإقفال والإغفال ، حيث الغفلة المعمّدة دركات بعضها فوق بعض ، فإغفالها على حسبها دركات بعضها فوق بعض ، آخذة من ترك التوفيق ، فختم وطبع فدفع الى مزيد من الغفلة وهو الدرك الأسفل